مع استمرار الرعب في غزة، تشهد فرقنا في رفح والمنطقة الوسطى مجموعة من مشاكل الصحة النفسية بين الأطفال والبالغين. منذ بداية العام، قدمت منظمة أطباء بلا حدود أكثر من 8,800 جلسة دعم نفسي واجتماعي للناس في غزة.
دافيد موساردو ، الأخصائي النفسي في أطباء بلا حدود، غادر غزة مؤخراً حيث كان يساعد سكان غزة على معالجة أعراض الصحة النفسية المختلفة التي يواجهونها، في ظل الظروف المروعة وسط القصف المستمر. وفيما يلي، يروي لنا عن ذكرياته المؤلمة لأناس يعيشون في واقع لا يطاق.
"في بعض الجلسات، كان نضطر للصراخ بصوت عالٍ حتى نُسمع، بسبب صوت الطائرات المسيَّرة والقنابل. وعندما لم يكن هناك قتال في الخارج، كنا نسمع صوت بكاء وصراخ الأطفال في المستشفى. أطفال أصيبوا بتشوهات أو حروق أو بدون والديهم. أطفال يعانون من نوبات الهلع، لأن الألم الجسدي يؤدي إلى جروح نفسية عندما يذكرك الألم بالقنبلة التي غيرت حياتك إلى الأبد. يرسم الأطفال الأكثر هدوءاً الطائرات المسيرة والطائرات العسكرية. والحرب في كل مكان في المستشفى. ورائحة الدم لا تطاق. هذه هي الصورة التي تراودني من غزة.
أطفال في جلسة علاج باللعب في مستشفى ناصر في خان يونس. تستخدم فرق الصحة النفسية التابعة لأطباء بلا حدود العلاج باللعب لمساعدة الأطفال على إدارة الألم الذي يعانون منه وإدارة عواطفهم.
يُستخدم المكان كذلك للاحتفال بمناسبات رسمية معينة، لمساعدة الأطفال على تجربة بعض الحياة الطبيعية، حتى داخل المستشفى. فلسطين، غزة، 16 يونيو/حزيران 2024.
لم يسبق لي أن رأيت مثل الذي رأيته في غزة. هناك بعض السمات المشتركة لجميع المرضى الذين رأيتهم هناك. بشرة داكنة شبه محترقة، لأنهم معرّضون لأشعة الشمس طوال اليوم. فقدان الوزن لأن الطعام شحيح. شعرهم أبيض من ضغوط أشهر الحرب هذه. ولدى جميعهم وجوه خلت من التعبير. وجوه يرتسم عليها الفقد والحزن والاكتئاب. أناس فقدوا كل شيء.
قال لي أحد المرضى: "أفتقد الأشياء الصغيرة. صور أمي التي توفيت منذ سنوات، والكوب الذي اعتدت شرب القهوة به. أفتقد عاداتي اليومية أكثر من منزلي المدمر".
وسألني مريض آخر "لم أتناول كأساً من الماء العذب منذ أشهر. أي حياة هذه؟"
نحن بشر وننزع إلى سرد الألم والمعاناة التي نواجهها. ولكن كيف يمكنك أن تحكي قصة أسى لشخص يمر بنفس الذي تمر به؟ هذا هو السبب في أن إحدى أولوياتنا هي توفير مساحة استماع آمنة لمرضانا وللأطباء والممرضين الفلسطينيين الذين يعملون دون توقف منذ أكثر من ثمانية أشهر.
هنا في إيطاليا، نحذف الصور غير الواضحة أو اللقطات عديمة الفائدة من هواتفنا. في غزة، يحذف الناس صور أفراد الأسرة الذين لقوا حتفهم أثناء القصف، معتقدين أن عدم رؤيتهم بعدها سيخفف من معاناتهم.
رأيت أناساً ينهارون عند تلقي أخبار عن أمر إخلاء جديد. بعض الناس قد غيروا أماكنهم ما يصل إلى 12 مرة في ثمانية أشهر. سمعت أناساً يقولون: "لن أنقل خيمتي بعد الآن، وربما أموت".
في غزة، ينجو المرء من الموت لكن التعرض للصدمة مستمر. كل شيء مفقود، حتى فكرة المستقبل. بالنسبة للناس، فإن الألم الأكبر ليس ما يمرون به اليوم – من قصف ومعارك وحداد – ولكن في العواقب. ليس لدى الناس الكثير من الثقة حيال السلام وإعادة الإعمار، بينما تظهر على الأطفال الذين رأيتهم في المستشفى علامات واضحة على التراجع.
ورغم أنني غادرت غزة، يبدو كما لو أني ما زلت هناك. ما زلت أسمع صراخ الأطفال المحترقين. نحن بحاجة إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وبدون ذلك، سيكون من المستحيل شفاء الجروح النفسية العميقة".
Although I have left Gaza, it’s as if I am still there. I can still hear the screams of the burnt children. We need an immediate and lasting ceasefire, without it, healing the profound psychological wounds will be impossible.”