تعتبر الصحة النفسية جزءاً أساسياً من الصحة العامة، ويمتد تأثيرها إلى الأسرة بأكملها، وتتأثر صحة الأسرة بالبيئة المحيطة بها والتفاعلات الاجتـماعية والعاطفية،[1] ولا سيما في أوقات الحرب التي تعتبر أحد أهم المهددات الرئيسية للصحة النفسية، حيث القتل الجماعي وفقدان الأهل والتهجير القسري والحرمان من أبسط الاحتياجات الأساسية، كالمأكل والمشرب والعلاج وتدمير البيوت وانعدام الأمان والصدمات.[2]
وهذا عين ما يعيشه سكان قطاع غزة منذ بدء الحرب الإسرائيلية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، التي انعكست تداعياتها على الصحة النفسية لكل مكونات المجتمع، وعلى وجه الخصوص الأطفال وطلاب المدارس.[3]" وعلى الرغم من فداحة الحرب واستهداف البيوت والأطفال والنساء، وتحول المدارس إلى مراكز إيواء، والتي لم تسلم هي الأُخرى من الاستهداف، وما أحدثه ذلك من تبعات على الصحة النفسية لطلاب المدارس، يلاحظ أن الجانب النفسي لطلاب المدارس وسلامتهم النفسية لم يحظيا بالاهتمام الملائم، بل يمكن القول إن هذا الجانب قد أُسقط من الأولويات على الرغم من أهميته.[4]
تهدف هذه الورقة إلى معرفة أثر الحرب الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة على الصحة النفسية لطلاب المدارس، وما الذي أفضت إليه وانعكس في سلوك الطلاب، وذلك من خلال الملاحظة والمعايشة، مستحضرة عينة من القصص الإنسانية لطلاب المدارس الذين تلتقي بهم الباحثة بشكل يومي، وكيفية مساهمتها المحدودة في دعم الجانب النفسي لدى هؤلاء الطلاب الذين عانوا من الحرب والإبادة والنزوح الاضطراري إلى المدارس، حتى تحولت المدرسة من بيئة داعمة ومحفزة للصحة النفسية المدرسية للطلاب إلى مركز إيواء لهم ولعائلاتهم، كما أصبحت مستهدَفة بالقصف طوال الوقت، الأمر الذي أفقد طلاب المدارس الشعور بالأمن والأمان.
فقدان الأمان – المحدد الرئيسي للصحة النفسية للأطفال
يُعد الشعور بالأمان أحد أهم العناصر الأساسية للصحة النفسية للأطفال، ويرتكز هذا الشعور على ثلاثة أعمدة رئيسية هي: المحبة، والقبول، والاستقرار،[5] ومع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ عام فقد خلالها أطفال غزة جميع مقومات الشعور بالأمان.
عندما اندلعت الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، لم يكُن قد مضى على انطلاق العام الدراسي 2023/2024 أكثر من 35 يوماً فقط، حتى حدثت الصدمة ووقعت الحرب، وفقد حوالي 625,000 طالب مدرسة بيوتهم ومدارسهم وعائلاتهم وأصدقاءهم واستقرارهم وشعورهم بالأمان، وسُلبت منهم فرحتهم بالعام الدراسي الجديد، كما فقد طلاب الصف الأول الأساسي شغف وسعادة الالتحاق بالمدرسة لأول مرة.[6]
بدأت الحرب عند الساعة 6:20 صباحاً يوم السبت، وهو موعد انطلاق الطلاب إلى مدارسهم، وكان صباح أول أيام الأسبوع. عاد طلاب المدارس إلى بيوتهم وذويهم في حالة من الخوف والذعر والصراخ، وكان الجميع خائفاً، حتى الأهل، وما زال هذا الحال مستمراً حتى اللحظة منذ عام كامل، والخوف يتملك هؤلاء الطلاب الذين يُقيمون كنازحين في مدارسهم.
عام كامل أمضاه طلبة مدارس قطاع غزة بين نزوح وقصف ومشاهد قتل وتدمير غير مسبوقة ستبقى عالقة في ذاكرتهم لسنوات. وطوال عام لم يلتحق أي طالب في غزة بالمدرسة، وبات يوم الطالب يبدأ بنفض التراب عن فراشه في الخيمة، ثم يستعد لبدء رحلة الطوابير اليومية، وهي طوابير مختلفة تماماً عن تلك الطوابير المدرسية الصباحية التي عهِدها.
تحول يوم الطالب في غزة من مقاعد الدراسة إلى الوقوف في طابور الحصول على مياه الغسيل، ثم ينتقل إلى طابور الحصول على المياه الصالحة للشرب، وهذا يستغرق الفترة الصباحية من يومه. ومع الظهيرة تبدأ رحلة طوابير أُخرى؛ طابور أمام الأفران المكتظة للحصول على الخبز، ثم طابور أمام التكية الخيرية للحصول على وجبة طعام، أو استلام طرد غذائي لأسرته. فمنذ عام ويوميات الطالب عبارة عن طوابير بدلاً من الحصص والدروس.
يخوض طلاب قطاع غزة بأقدام حافية وأجساد منهكة حرباً موازية من أجل البقاء بعيداً عن مقاعدهم الدراسية وهندامهم المدرسي وحقائبهم وكتبهم، محمَّلين بمسؤوليات جديدة اقتضتها ظروف الحرب.
لقد غادر جميع طلاب مدارس القطاع، من دون استثناء، منازلهم في اتجاه مراكز الإيواء أو مخيمات النزوح، وكانوا شهوداً عن قُرب وكثب على الدمار والقتل الذي يُحيط بهم كل يوم وكل وقت أينما تنقلوا، فحتى المباني المدرسية التي كانوا يقصدونها كل صباح للدراسة باتت مأوى دائماً لهم يبيتون فيه برفقة عائلاتهم لا يغادرونه؛ ينامون ويغتسلون ويطهون طعامهم ويغسلون ملابسهم في ساحاتها. وعندما يعودون إلى تلك المدارس بعد الحرب ستبقى المشاهد المؤلمة عالقة في ذاكرتهم، وستصبح المدرسة مكاناً محملاً بذكريات الحرب ومآسيها.
أتت الحرب المتواصلة في قطاع غزة على كل شيء، وحولت الأولويات والقناعات لدى طلاب المدارس، ففي معركة البقاء امتدت أياديهم إلى مقاعدهم وكتبهم الدراسية، وأشعلوا النيران فيها لطهو الطعام والخبز، فما عادت المدرسة بجدرانها المحطمة وفصولها المكدسة بالأُسر النازحة، وساحتها المكتظة بالخيام كما عهدوها وألفوها، وقد خُصص في كل مدرسة زاوية لدفن الشهداء الذين ارتقوا داخل المدرسة.
شكلت هذه الأحداث اليومية التي يعيشها طلاب القطاع عاملاً قوياً تسبب في تشوه حقيقي وتردٍّ بالغ الخطورة في الصحة النفسية لدى الطلاب، وقد بلغ الأذى النفسي خلال هذه الحرب أقصى درجاته غير المسبوقة على مر التاريخ المعاصر. ونتيجة الحرب توقفت كل مؤسسات الصحة النفسية في قطاع غزة عن العمل، وتعرض مستشفى الطب النفسي الوحيد في القطاع للقصف الإسرائيلي بتاريخ 6 تشرين الثاني/ نوفمبر2023، بحيث لم يعد صالحاً للعمل بحسب منظمة الصحة العالمية.[7]
أثرت الحرب المتواصلة بتفاصيلها الدامية على الصحة النفسية لطلاب المدارس في قطاع غزة، وقد تحولت مدارسهم إلى مقابر للأحياء والأموات، وبالتالي فإن مدى التأثير النفسي الذي تعرض له هؤلاء الطلاب لا يمكن تصوره وتخيله لدى طالب يرى قبوراً تحتضن الموتى في ساحة مدرسته حيث كان يتعلم ويلهو مع أقرانه بشكل يومي.
أذكر أن أحد طلابي في الصف الثالث قد تغيب لعدة أيام عن دروسه وعندما هاتفت والدته لاستطلاع الأمر أخبرتني أنه يُعاني من اكتئاب حاد، ويرفض الحديث أو الخروج من المنزل منذ نقل جثمان والده الشهيد من ساحة المدرسة التي كانوا يقيمون بها منذ عدة أشهر إلى المقبرة، منوهة أنه لم يحضر مراسم النقل ولم يشاهد جثمان والده، لكنه سمع رجال العائلة وهم يتحدثون عن الأمر فأصيب بهذه الحالة، لأنه اعتاد زيارة قبر والده في ساحة المدرسة كل صباح لقربها من منزلهم، وأتساءل كيف ستبدو الحالة النفسية لهذا الطالب عندما يعود إلى المدرسة بعد أن تنتهي الحرب؟
يصعب علينا قياس درجة الأذى النفسي لطالب رأى أشلاء أحد أفراد عائلته أو جميعهم، ولا أدري كيف يبدو مستوى الصحة النفسية لطالب رحل أحد أصدقائه المقربين أو جميعهم أمامه، وعلى الأرجح أنه قد شارك في نقلهم ودفنهم في المدرسة، ووقف في الصف الأول لصلاة الجنازة عليهم.
منذ أيام بكت الطفلة "حبيبة" التي تبلغ من العمر ست سنوات، ولم تستطع معلمتها معرفة سبب بكائها المفاجئ، فأحضَرتها إلي، وبعد عدة محاولات أخبرتني أن المعلمة طلبت منهم ضرورة إحضار رقم هاتف الأم أو الأب، فتذكرت والدها الشهيد فبكت...!
تلك المشاهد من المحرقة الحاصلة في قطاع غزة باتت عبارة عن تفاصيل يومية يعيشها طلاب المدارس، الذين بات لكل منهم قصة ألقت بتبعاتها وتداعياتها على صحتهم النفسية والجسدية وذاكرتهم وذكرياتهم، وستحيى معهم لسنوات قادمة.[8]
بحسب إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإنه خلال الشهر الأول فقط من الحرب ارتقى 3141 شهيداً وشهيدة من طلبة المدارس، في حين بلغ عدد الجرحى والمصابين من طلبة المدارس 4863. وأوضح مركز الإحصاء الفلسطيني أنه، وكردة فعل طبيعية على القصف المستمر على قطاع غزة وحصيلة الشهداء من الطلبة والمعلمين وتدمير البنية التحتية للمدارس،[9] تم تعطيل جميع المدارس في قطاع غزة منذ بدء الحرب وحرمان حوالي 600 ألف طالب وطالبة من حقهم في التعليم المدرسي، نتيجة تدمير 80% من مدارس قطاع غزة.[10]
الحديث عن الصحة النفسية لهؤلاء الطلاب واحتياجاتهم، يعني أنهم بحاجة إلى الأمن العاطفي المتمثل في شعورهم بأنهم محبوبون ومرغوب فيهم لذاتهم. ويرتبط إشباع هذه الحاجة بالأسرة والوالدين بشكل أساسي، وهذا الأمان النفسي العاطفي شرط أساسي لاستقرار مشاعر الطلاب وانتظام صحتهم النفسية، وعدم توفرها يعيق نمو الطالب العقلي والنفسي والاجتماعي. وتكمن خطورة الأمر في الاضطرابات السلوكية وزعزعة ثقته بنفسه والمجتمع المحيط، وكذلك التراجع الدراسي على مستوى الفهم والمعرفة واكتساب المفاهيم.[11]
نتحدث هنا عن إحصاءات أولية مفادها أن نحو 33 ألف طفل في غزة فقد أحد والديه خلال الحرب المتواصلة،[12] وبحسب إحصاءات وزارة التربية والتعليم الصادرة بتاريخ 16 تموز/ يوليو 2024، بلغ عدد الشهداء من الطلاب في قطاع غزة 9138 طالباً، والمصابين 14,671 طالباً.[13]
إن فقدان العديد من الطلاب لعائلاتهم ومنازلهم وأصدقائهم، ونزوحهم من مناطق سكناهم إلى مناطق جديدة مختلفة في ظروف إنسانية واقتصادية واجتماعية صعبة نتيجة الحرب، كلها أمور تؤثر على الصحة النفسية لهؤلاء الطلاب، وتؤدي إلى اضطرابات سلوكية وارتفاع معدلات القلق والاكتئاب لديهم، ما يؤثر على سلامتهم الجسدية والنفسية نتيجة تضاؤل شعورهم بالأمان مع كل قصف، ومجزرة، وغارة، ونزوح، أو انفجار لصاروخ وتحول مدارسهم إلى أنقاض، وحرمانهم من الغذاء والماء، فتتجسّد حالة القلق لدى هؤلاء الأطفال في التبول اللاإرادي، وصعوبة النوم، والكوابيس.
وإحدى الحالات التي عايشتها بشكل شخصي عندما فقدتْ طفلتي البالغة أحد عشر عاماً وعيها بشكل مفاجئ، وعندما توجهتُ بها إلى المستشفى أخبرني الأطباء بأنها تعاني من هبوط حاد في السكر نتيجة سوء التغذية، فقد كان يمكن أن يتحول الأمر إلى كارثة لولا قرب مكان نزوحنا من المستشفى آنذاك. فكم من الأطفال لم تسعفهم ظروف أهلهم في الوصول إلى المستشفى في الوقت المناسب، وكم منهم سقط صريع الجوع الذي انتهى بمرض مزمن. وستكشف الأيام التالية لانتهاء الحرب إحصاءات كارثية للحالات المرضية لدى الأطفال على المستويين الجسدي والنفسي.
الحاجة إلى برامج شاملة
إزاء كل ما سبق؛ فإن نحو نصف مليون طالب مدرسة في قطاع غزة بحاجة ماسة إلى تدخل عاجل لمواجهة تأثيرات الحرب على صحتهم النفسية، ولا سيما بعد أن توقفت حياتهم اليومية الطبيعية، وحُرموا من الذهاب إلى مدارسهم وممارسة نشاطاتهم التعليمية على مدار عام كامل. ويشكل قصف المئات من المنشآت التعليمية تحدياً كبيراً فيما يتعلق بتلبية احتياجات هؤلاء الطلاب، وهو ما يحتاج إلى تدخل رسمي ومؤسساتي عاجل وجاد من جميع الجهات المختصة محلياً ودولياً.
إن إعادة بناء المؤسسات التعليمية وتجهيزها لاستقبال الطلبة بعد الحرب، تعد مرحلة شاقة وتحتاج إلى جهد ووقت طويل وموازنات ضخمة، لكن التحدي الحقيقي يكمن في العمل على استشفاء الطلاب في قطاع غزة وعلاج صدماتهم النفسية، فلا يُمكننا العودة إلى التعليم قبل تعزيز صحتهم النفسية، الأمر الذي يتطلب خطة استراتيجية دقيقة وطويلة الأمد يتم تنفيذها قبل وخلال أي برنامج تعليمي، ولعدة سنوات، لمساعدة هؤلاء الطلاب على تخطي ذكرياتهم الأليمة التي عاشوها.
وعليه يجب أن نبدأ بتنفيذ برنامج نفسي داعم لطلاب المدارس في قطاع غزة فوراً من دون انتظار انتهاء الحرب الدائرة الآن، وهنا تكمن مسؤولية ودور الجهات الرسمية المختصة، سواء المحلية أو الدولية.
والمُلاحظ أنه حتى اللحظة ومع كل تلك التداعيات التي تركتها الحرب وتأثيرها على الصحة النفسية والجسدية لطلاب المدارس، فإن العمل على محاولة استنهاض المنظومة التعليمية واستدراك تردي الحالة النفسية للطلاب في قطاع غزة معدوم ومتوقف تماماً؛ إذ لم تجرِ أي محاولة رسمية موضوعية مهنية جادة لاستدراك ومتابعة واقع الصحة النفسية لطلاب المدارس في قطاع غزة.
مبادرات فردية
وعلى الرغم من غياب أي مبادرة رسمية في هذا المجال، فإن مخيمات النزوح ومراكز الإيواء شهدت عشرات المبادرات الفردية التي انطلقت بجهود شخصية من بعض الأفراد الذين تعهدوا عدداً كبيراً من الطلاب بالدعم النفسي والتعليم والمتابعة الدراسية في حدود إمكانات وظروف كل منهم.
وهو ما فعلته الباحثة التي أخذت على عاتقها الشخصي، ومن واجبها التربوي كمديرة مدرسة، تخصيص جزء مما تبقى من منزلها وحولته إلى مركز دعم نفسي وتربوي تعليمي، "روضة ومركز بوابة الأمل"، في محافظة خان يونس جنوب القطاع، والذي استضافت فيه ما يزيد على 200 طالب من مرحلة الروضة والمدرسة، ضمن خطة للدعم النفسي والتعليمي في محاولة لدعم الطلبة على الصعيد النفسي؛ أولاً من خلال مشاركة تجاربهم مع أقرانهم، وتنفيذ نشاطات التفريغ النفسي، من رسم وتلوين ولعب الأدوار من خلال مسرح الدُمى ومسرح الظل، واكتشاف جانب آخر من شخصياتهم ومواهبهم، وهو ما أظهرته قدرات طالبات المرحلة الإعدادية، وخصوصاً ضمن مسابقة كتابة القصة الخيالية، وطلبة المرحلة الأساسية في مهارات سرد القصص وارتجال الحوار، والتعبير عن الصور. وثانياً، على الصعيد التعليمي، حيث يعمل الفريق ضمن خطة تعليمية استدراكية لتقليص الفاقد التعليمي للطلبة والذي تجاوز عاماً دراسياً، وبجهود تطوعية لخمس معلمات مختصات وذوات خبرة سابقة في مجال التعليم.
وفور إعلان افتتاح الروضة والمركز مطلع تموز/ يوليو 2024 استقبل أولياء الأمور في المنطقة هذه التجربة بسعادة شديدة لرغبتهم في إعادة تأهيل أبنائهم نفسياً ودراسياً. وعلى الرغم من التراجع الدراسي الملحوظ في مستوى الطلاب، فإن العديد منهم تقبلوا الفكرة وأقبلوا على مقاعد الدراسة مجدداً بثقة ورغبة شديدة في التعامل مع أقرانهم في أجواء تعليمية لطيفة رغم ما يُحيط بهم من مجازر ودمار مستمرين.
ولاحظت الباحثة أن نسبة ليست بالقليلة من الطلبة، وخصوصاً في المرحلة الأساسية الدنيا ما زالوا مترددين بين رغبتهم في الالتحاق بزملائهم، وخوفهم من فقد عائلاتهم، أو وقوع استهداف بالقرب من المكان، ولا سيما أنه لا يوجد مكان آمن في قطاع غزة.
ولاحظت الباحثة أيضاً أن عدداً من الطلبة في "روضة ومركز بوابة الأمل" تتراوح أعمارهم بين 6-12 ما زالوا يُصّرون على حضور أحد أفراد الأسرة معهم خلال تلقيهم للدروس، ويواصلون التأكد من وقت إلى آخر من أنه ما زال هذا الفرد ينتظرهم بالقرب من باب القاعة الدراسية، ولم يغادر أو يبتعد عنها. وحتى بعد مرور شهرين على تسجيلهم، ما زالت هذه الفئة على موقفها هذا.
يُذكر أن جميع مَن لاحظنا هذا السلوك لديهم، إمّا أنهم فقدوا أحد والديهم خلال الحرب أو كليهما، أو عايشوا حالات استهداف خلّفت شهداء وأشلاء وتشوهات، وكانوا جزءاً من الحدث، فبقيت هذه الظروف تقف حاجزاً بين رغبتهم في التعلم والاندماج مع أقرانهم وبين خوفهم من تكرار الأحداث.
توصيات
خلصت الباحثة إلى أننا أمام وقائع وواقع يفيدان بتدهور كبير في الصحة النفسية لطلاب المدراس في قطاع غزة، الأمر الذي يقتضي بذل جهد وتدخل المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية والحقوقية والوقوف العاجل والفوري أمام التزاماتها الأخلاقية والإنسانية والقانونية، والضغط على الاحتلال لوقف هذه الحرب، وإدخال المساعدات الطبية مع أولوية توفير مقومات وأدوات ومستلزمات الدعم النفسي، وتوفير الرعاية الصحية النفسية وتدريب ذوي الاختصاص، وتكثيف برامج التفريغ النفسي في كل أماكن تواجد هؤلاء الطلاب قبل بدء أي عملية تعليمية، نظراً إلى ما شاهدوه وعايشوه من صدمات الحرب وما تركته من آثار نفسية كاضطرابات القلق والاكتئاب والانسحاب العاطفي ونوبات الغضب والسلوك العدواني.[14]
[1] الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، "تأثير العدوان الحربي الإسرائيلي على الصحة النفسية في قطاع غزة"، 21/1/2024. للمزيد انظر: وفيق صفوت مختار، "الصحة النفسية وأساليب تنشئة الطفل" (دار الطلائع للنشر والتوزيع، 2020)؛ كوثر إبراهيم رزق، "الصحة النفسية" (المكتبة العصرية، 2016).
[2] ميس نصار، "أطفال غزة.. عن الصدمات النفسية التي يحدثها العدوان الإسرائيلي"، "الجزيرة نت"، 29/5/2024؛ حسام الدين طه عبد الحميد، "الصحة النفسية بيئة مدرسية داعمة للصحة النفسية الطلابية" (دن، 2019)؛ جهاد محمد مطر، "أثر فقدان أحد أفراد الأسرة وعلاقته بالقلق والاكتئاب وكرب ما بعد الصدمة لدى الأمهات الفلسطينيات"، رسالة ماجستير (جامعة القدس: عمادة الدراسات العليا، 2012).
[3] "مأساة التعليم في غزة. غارات إسرائيل تهدم المدارس وتقتل التلاميذ"، صحيفة "الشرق"، 21/4/2024.
[4] الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ، "احتياجات الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي في غزة: تحليل الوضع العام واستعراض التحديات"، آذار/ مارس 2024.
[5] "مأساة التعليم في غزة. غارات إسرائيل تهدم المدارس وتقتل التلاميذ"، مصدر سبق ذكره؛ خالد وليد السبول، "الصحة والسلامة في البيئة المدرسية" (دار المناهج للنشر والتوزيع، 2005).
[6] "التربية والتعليم تكشف إحصائيات صادمة حول عدد الطلبة في غزة والضفة"، صحيفة "فلسطين"، 16/7/2024.
[7] وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا"، 13/11/2023.
[8] "حكومة غزة: الحرب حرمت 800 ألف طالب من حقهم في التعليم"، وكالة "الأناضول"، 22/6/2024.
[9] صحيفة "الشرق الأوسط"، 5/4/2024
[10] وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، "أكثر من 625 ألف طالب يتوجهون لمقاعد الدراسة في قطاع غزة"، 26/8/2023.
[11] هشام أحمد غراب، "الصحة النفسية للطفل" (بيروت: دار الكتب العلمية، 2012)؛ جهاد محمد مطر، "أثر فقدان أحد أفراد الأسرة وعلاقته بالقلق والاكتئاب وكرب ما بعد الصدمة لدى الأمهات الفلسطينيات"، مصدر سبق ذكره.
[12] "التربية والتعليم تكشف إحصائيات صادمة حول عدد الطلبة في غزة والضفة"، مصدر سبق ذكره.
[13] صحيفة "الشرق الأوسط"، مصدر سبق ذكره.
[14] عبد الكريم المجدلاوي، "العلاقة بين الصدمة النفسية الناتجة عن أحداث انتفاضة الأقصى والتحصيل الدراسي عند طلاب المرحلة الإعدادية"، رسالة ماجستير (جامعة القدس، عمادة الدراسات العليا: 2004)؛ أحمد عبد الحليم عريبات، "مبادئ الصحة النفسية والمدرسية" (دار الإعصار العلمي للنشر والتوزيع، 2014)؛ عبد الباري محمود داود، "الصحة النفسية للطفل" دار (القاهرة: اليقين للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2004).
1