نيويورك
معالي السيد الرئيس،
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
أخاطبكم والأونروا تمر بواحدة من أحلك الأوقات في تاريخها.
فالإجراء التشريعي الذي اتخذه الكنيست الإسرائيلي يشكل تهديدًا وشيكًا ووجوديًا للوكالة.
وهو آخر الإجراءات ضمن حملة متواصلة لنزع الشرعية عن الأونروا وتقويض دورها في تقديم خدمات التنمية والمساعدات الطارئة للاجئي فلسطين.
فمنذ بداية الحرب في غزة، وصف المسؤولون الإسرائيليون تفكيك الأونروا بأنه من أهداف الحرب.
وجاء التشريع الذي أقره الكنيست لخدمة هذا الهدف.
غير أن النية من هذا التشريع تتجاوز تقويض الأونروا والأمم المتحدة.
إنه يسعى إلى إنهاء حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وتطلعهم إلى حل سياسي عادل.
وهو يعزز بشكل أحادي الجهود الرامية إلى تغيير المعايير القائمة منذ زمن بعيد لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
معالي السيد الرئيس،
لقد تحول قطاع غزة إلى جحيم رهيب بعد عامٍ من أشد حملات القصف على السكان المدنيين منذ الحرب العالمية الثانية، والقيود الشديدة المفروضة على المساعدات الإنسانية.
وقد أفادت التقارير بمقتل أكثر من 43 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال.
وهناك آلاف آخرون لا يزالون في عداد المفقودين تحت الأنقاض.
وكذلك نزوح ما يقرب من غالبية السكان.
وما زال الرهائن الذين تم أخذهم من إسرائيل في أسر مستمر ومخيف.
وفي شمال غزة، يُحرَق الفلسطينيون ويدفنون أحياء نتيجة للغارات والضربات الجوية.
كما يؤدي الحصار الوحشي والهجمات على المستشفيات وفرق الإسعاف لحرمان السكان من الإمدادات والمساعدات المنقذة للحياة.
وكذلك يُعتقل الرجال والفتيان ويتم احتجازهم في أماكن غير معلومة.
إن تصرفات القوات الإسرائيلية وانعدام الأمن الشامل يجعلون من الاستجابة الإنسانية غير قابلة للاستمرار.
وفي الوقت ذاته، تعاني الضفة الغربية المحتلة من تصاعد النزاع.
وأصبحت أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون والتوغلات العسكرية حدثاً يومياً.
وكذلك يتم تدمير البنية التحتية العامة عمداً، مما يفرض عقوبات جماعية على الفلسطينيين.
أما الاقتصاد فهو على وشك الانهيار.
وبالإضافة إلى هذه المعاناة التي لا توصف، فهناك التهديد بإنهاء عمليات الأونروا.
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
تمثل الأونروا الآلية التي كَلَّف بها هذا المجلس الأمم المتحدة بمساعدة لاجئي فلسطين.
والأونروا هي فريدة من نوعها بين وكالات الأمم المتحدة، وهي مكلفة بتقديم خدمات شبيهة بخدمات القطاع العام مباشرة، بما في ذلك التعليم لأكثر من نصف مليون طفل، والرعاية الصحية الأولية والدعم الاجتماعي.
تتعلق خدمات الأونروا في المقام الأول بالتنمية البشرية.
غير أن بصمتنا الكبيرة وخبرتنا الطويلة مكنتنا من التحول بسرعة إلى آلة للدعم الإنساني في غزة.
لقد أصبح معلمونا مديري مراكز إيواء بين عشية وضحاها.
وتحولت عياداتنا الصحية إلى غرف طوارئ.
وكانت فرقنا الصحية أساسية في إطلاق حملة التطعيم الطارئة ضد مرض شلل الأطفال.
وكانت الأونروا خلال العام الماضي بمثابة شريان حياة لشعب غزة.
وهي الركيزة الوحيدة في حياتهم التي لا تزال قائمة.
معالي السيد الرئيس،
ينص تشريع الكنيست على حظر الاتصال بين المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين وممثلي الأونروا.
وكذلك يحظر عمليات الأونروا داخل ما يسمى "الأرض السيادية لدولة إسرائيل".
وسوف يؤدي تنفيذ القرار إلى عواقب وخيمة.
في غزة، سيؤدي تفكيك الأونروا إلى انهيار الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة، والتي تعتمد بشكل كبير على الهيكلية الأساسية للوكالة.
إن قضية التعليم غائبة بشكل صارخ عن المناقشات حول غزة بدون الأونروا.
لقد قامت الوكالة بتعليم أجيال من لاجئي فلسطين، وقد حقق العديد منهم نجاحًا ملحوظًا في المنطقة وحول العالم.
وأخبرني عدد لا يحصى من خريجي الوكالة عن الدور المحوري الذي لعبه تعليم الأونروا في حياتهم.
فهذا التعليم يدافع عن حقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، ويعزز التسامح واحترام الهوية الثقافية.
إن الفلسطينيين يقدرون التعليم تقديرًا كبيرًا - فهو يمثل القيمة والميزة الوحيدة التي لم يحرموا منها.
وفي غياب نظام الدولة أو أي إدارة عامة مؤهلة، فإن الأونروا وحدها قادرة على تقديم التعليم لأكثر من 650 ألف طالب وطالبة في غزة.
وفي غياب الأونروا، سيتم حرمان جيل كامل من الحق في التعليم.
وسيتم التضحية بمستقبلهم، مما سيزيد من زرع بذور التهميش والتطرف.
في الضفة الغربية، فمن شأن انهيار الأونروا أن يحرم ما لا يقل عن 50 ألف طفل من التعليم وكذلك حرمان مئات الآلاف من لاجئي فلسطين من الرعاية الصحية الأولية.
تعد الوكالة ثاني أكبر جهة توظيف هناك بعد السلطة الفلسطينية، وتمثل ما يقدر بنحو 5-8٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
ولن ينهي تفكيك الأونروا "وضع لاجئي فلسطين" - فهذا الوضع قائم بشكل مستقل عن خدمات الوكالة - ولكنه سيضر بشدة بحياتهم ومستقبلهم.
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
لقد عملت الأونروا لعقود من الزمن على توفير حياة كريمة للاجئي فلسطين تستند على تمكينهم من الوصول للحقوق الأساسية.
ورغم هذا، وربما بسببه، فقد دفعنا ثمناً باهظاً.
فالوكالة تتعرض لهجوم شديد في غزة.
حيث قُتل ما لا يقل عن 239 من موظفي الأونروا.
واعتقل آخرون وأفادوا بتعرضهم للتعذيب.
كما تضرر أو دمر أكثر من ثلثي مباني ومنشآت الأونروا.
وقد تلقينا مزاعم بأن جماعات فلسطينية مسلحة، بما في ذلك حماس، والقوات الإسرائيلية، استخدمت منشآتنا لأغراض عسكرية.
أما في القدس الشرقية المحتلة، فقد أُضرمت النيران في مقرنا الرئيسي.
وتحاول السلطات المحلية إخلاءنا من هذه المباني لبناء المستوطنات.
وإنني أواصل الدعوة إلى المساءلة عن الهجمات على موظفي الأمم المتحدة، ومبانيها، وعملياتها من خلال تحقيق مستقل في هذه الانتهاكات.
معالي السيد الرئيس،
تأخذ الأونروا مزاعم انتهاك مبدأ الحياد على محمل الجد.
فنحن لا نعمل في بيئة خالية من المخاطر، ولكننا نتبع نهج عدم التسامح مطلقاً مع أي انتهاكات مثبتة.
ومع ذلك، فمن المُشكِل والمريب أن يتم استخدام مزاعم غير مؤكدة لتبرير الإجراءات ضد الوكالة.
لقد وجدت المراجعة المستقلة لحياد الأونروا أن الوكالة وضعت إطار عمل للحياد يتميز بأنه أكثر قوة وتطورا من الكيانات المماثلة.
ونحن نبذل قصارى جهدنا لتنفيذ التوصيات الناشئة عن المراجعة.
يجب أن أؤكد أن الأونروا - كما هو الحال في الكيانات المماثلة للأمم المتحدة - ليس لديها قدرات شرطة أو قدرات عسكرية أو استخباراتية.
نحن نعتمد على الدول الأعضاء عندما تكون هناك حاجة إلى مثل هذه القدرات.
ولأكثر من 15 عامًا، شاركت الأونروا سنويًا أسماء موظفيها مع حكومة إسرائيل.
ونحن الآن نشارك هذه الأسماء على أساس ربع سنوي.
هذا يشمل أسماء الموظفين الذين لم تعرب الحكومة عن مخاوف بشأنهم من قبل، لكنها الآن تدرجهم في قوائم تزعم انتمائهم لمجموعات مسلحة.
لقد طلبنا مرارًا وتكرارًا من حكومة إسرائيل تقديم أدلة، واقترحنا كيفية مشاركة الأدلة الحساسة.
لكننا لم نتلق أي رد مطلقًا.
ولذلك فإن الأونروا في موقف غير عادل لأنها غير قادرة على معالجة الادعاءات التي لا تملك أي دليل عليها، في حين يستمر استخدام هذه الادعاءات لتقويض الوكالة.
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
في يومنا هذا، يخشى الملايين من لاجئي فلسطين من أن تختفي قريبًا الخدمات العامة التي تعتمد عليها حياتهم.
إنهم يخشون أن يُحرم أطفالهم من التعليم؛ وألا يتم معالجة الأمراض؛ وأن يتوقف الدعم الاجتماعي.
يخشى 17 ألف من موظفي الأونروا في الأرض الفلسطينية المحتلة أن يفقدوا وظائفهم.
كما يخشى سكان غزة بالكامل أن يتم قطع شريان الحياة الوحيد المتبقي لهم.
وبدون تدخل الدول الأعضاء، فستنهار الأونروا مما يعني إغراق الملايين من الفلسطينيين في حالة من الفوضى.
ولمنع هذه النتيجة المدمرة، فلدي ثلاثة مطالب عاجلة:
أولاً، أطلب من الدول الأعضاء أن تتحرك لمنع تنفيذ التشريع ضد الأونروا.
إن التغييرات في ولاية الأونروا هي من اختصاص الجمعية العامة، وليس الدول الأعضاء بمفردها.
ثانيا، أطلب من الدول الأعضاء أن تضمن تحديد دور الأونروا بوضوح في أي خطة للانتقال السياسي.
ينبغي أن يكون إنهاء تفويض الوكالة تدريجيا وضمن إطار حل سياسي، وتسليم خدماتها إلى إدارة فلسطينية مفوضة.
وأخيرا، أطلب من الدول الأعضاء الحفاظ على تمويل الأونروا، وعدم حجب أو تحويل الأموال على افتراض أن الوكالة لم تعد قادرة على العمل.
إن تكلفة تقديم الخدمات الأساسية، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية خلال فترة انتقالية، ستكون هائلة.
ولا بد لي أيضًا من تنبيه الدول الأعضاء إلى أن تفكيك الوكالة على نحو مفاجئ سيكلف أكثر من نصف مليار دولار أمريكي لتعويضات نهاية الخدمة للموظفين وحدها.
معالي السيد الرئيس،
إن مستقبل لاجئي فلسطين مسؤولية مشتركة.
لقد قدم موظفو الوكالة أكثر مما يحق لنا أن نتوقع منهم لتنفيذ تفويض الأونروا.
فلقد عملوا لمدة 13 شهرا دون توقف وهم يواجهون صعوبات شخصية وخسائر هائلة.
بفضلهم، تمكنت غزة حتى الآن من تخطي كثير من الأهوال.
واليوم، أطلب من الدول الأعضاء أن تتحرك دفاعا عن لاجئي فلسطين والأونروا.
فهذا يعني الدفاع عن الأمم المتحدة، والتي تقع في صميم نظامنا المتعدد الأطراف.
كما يعني الدفاع عن مستقبلنا الجماعي، الذي يتعرض اليوم لأشد حالات الخطر.
شكرا لكم.