تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
المستشفى - تجسيد للجسد الغزّي
المؤلف
ريما زقوت
سنة النشر
اللغة
انجليزي
عدد الصفحات
10

مقدمة

ضمن مساحة 360 كيلومتراً مربعاً، جزّأ الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي قطاع غزة إلى أجزاء أصغر حجماً وتتغير باستمرار، وهو ما أجبر السكان على التنقل من غير هدى، يجرجرون جروحهم وقد أضناهم الجوع، من مبنى مرقم إلى آخر. وما مسيرة الموت هذه تحت الحصار سوى تكتيك للإبادة لا يهدف إلى نقل الناس إلى مكان جديد، إنما إلى استنزافهم وقتلهم ببطء في مسير لا نهاية له. وهذا الجنون المبتكَر هو استراتيجيا إبادة جماعية تسعى للسيطرة على العلاقات الاجتماعية المكانية في قطاع غزة، وتدمير البنية التحتية للمدينة بينما لا يزال أصحابها يعيشون فيها، ثم رسْم مخطط لمسيرة إبادية تحت الحصار باستخدام المكان، والانتقال إلى إبادة الأفراد على المستويَين البيولوجي - قتل الجسد - والاجتماعي. ‎

كما تستهدف السيادة الاستعمارية، في مسيرة الموت المستمرة هذه تحت الحصار، السيطرة على الحركة والمكان والموت. ومع ذلك، فإن الحركة والمكان هما أدوات يستخدمها الشعب الخاضع للاستعمار للمقاومة، وتؤدي المستشفيات دوراً حاسماً في هذا النضال؛ فهي مؤسسات تدعم الحياة، ويلتمس الناس فيها الشفاء والمأوى والحصول على المياه والكهرباء والاتصال بشبكات الاتصالات. وفي غزة، نشأت المستشفيات ووُزعت في مختلف أنحاء القطاع، بفعل الاجتياحات العسكرية المتكررة والحملات المتتابعة على غزة وعالم الموت الذي أوجدته إسرائيل على امتداد عدة عقود. وعلى مدار هذه العقود وحتى يومنا هذا، تشكّل المستشفيات شبكة تقاوم التفتيت الاستعماري للأرض. وبالتالي، فإن حصار المستشفيات واستهدافها مرتبطان بصورة وثيقة ومتشابكة مع أهداف الإبادة الجماعية الإسرائيلية المتمثلة في قطع شرايين الحياة التي يعتمد عليها سكان غزة للبقاء، وشرذمة المكان، وتفتيت المجتمعات. وتستكشف هذه المقالة بإيجاز ا​لسياق التاريخي للبنية التحتية الصحية في غزة كبنية داعمة للحياة والمواجهة المستمرة التي تخوضها في مواجهة العتاد الصهيوني لإبادة الحياة لكشف الدوافع وراء إعلان المستشفى مساحة استثناء أو مكاناً مستثنى من الحماية ويمكن محاصرته.

مساحة استثناء

يتطلب تحليل أنماط الحكم الاستعمارية الإسرائيلية والاستخدام المفرط للعنف التحول من النظر إليها من المنظور القانوني إلى الأطر التي يمكن أن تفسر الرغبة الصهيونية في العنف والقتل بلا رادع؛ أطر الهيمنة والقوة المميتة (Necropower). وتنبع القوة السيادية (السلطة المطلقة) من القدرة على انتهاك المحظورات والمحرمات وتجاوزها، وبينما يظل الموت أعلى هذه المحرمات، فإن السيادة تُستمد من القدرة على السيطرة على الموت والتحكم في مَن يموت ومَن يحيا، عبر نزع صفة التحريم عنه وإحداثه أو التلاعب به عبر استخدامه كأداة للسيطرة.[1] وما من طريقة لتأكيد القوة المطلقة أقوى من مشاهد الموت. وهل هناك طريقة أكثر صلافة لاستعراض القوة المميتة من حرم المستشفى على وجه التحديد؟ ‎

يتسم الحكم الصهيوني، على غرار الديمقراطيات الغربية، بالتناقض، إذ يتعايش داخله نمطان من الحكم يعتمد كل منهما على الآخر؛ فهو يحافظ على حياة المجتمع الاستيطاني في المدينة الاستعمارية من جهة، بينما يستخدم استراتيجيات سياسة الموت (Necropolitical strategies) لقتل المجموعات المستعمَرة وتشويهها في أماكن تقع على أطراف المدينة من جهة أُخرى. وداخل هذا المكان توجد مجموعة من البشر الذين جُردوا من ذاتيتهم السياسية، وإنسانيتهم، وذاتيتهم القانونية، ومواطنيتهم، وهناك يتم تعليق القانون، وهذه حالة استثنائية وطارئة ومحددة في المكان والزمان. يعرّف المنظِّر السياسي النازي كارل شميت السيادة بأنها القدرة على تعليق القانون،[2] فيمكن لمن يسن القانون أن يملك سلطة إنشائه لأنه يستطيع الوجود خارجه، وبالتالي، فإن صاحب السيادة يستمد سلطة التشريع عبر القدرة على تعليق القوانين، وهذا يفسر حاجة الكيان الصهيوني إلى غزة كمساحة لممارسة القدرة على تعليق القانون وممارسة القوة المميتة. ومع ذلك، فإن النظام الصهيوني القائم على سياسة الموت يستطيع الاستمرار عبر إحداث مزيد من الموت في مساحات تتقلص باستمرار، كما أنه يُحدث، في معسكرات الاعتقال ومخيمات اللاجئين والمستشفيات، شروخاً وانقسامات باستمرار، ويحدد مساحات استثناء جديدة، يُعلق فيها القانون.

وعلاوة على ذلك، فإن حالة الاستثناء ترتكز على السيادة الأخلاقية والسلطوية، وتتعامل مع المستعمَرين على أنهم مجرد كائنات حيوانية لا إرادة لها ولا حقوق، على غرار تحليل فرانز فانون للمنطق الاستعماري وتعريفه لهوية السكان الأصليين باستخدام خطاب حيواني.[3] إن تسميات "الإرهاب" هي المعادل المعاصر لما سمّاه فانون بـ "الحياة الحيوانية"، وهو مبرر أعلنه المسؤولون الإسرائيليون صراحة. وقد صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت على نحو سافر أن الفلسطينيين الذين تفرض عليهم إسرائيل حصاراً محكماً، والذين يتجاوز عددهم مليونَي إنسان، هم "حيوانات بشرية"، وأضاف: "لن يكون هناك كهرباء، ولا طعام، ولا ماء، ولا وقود، سنقطع كل شيء. نحن نقاتل حيوانات بشرية وسنتصرف وفقاً لذلك."[4] وعلى نحو مماثل، أعلن المحامي الإسرائيلي أفيعاد فيسولي أن سكان غزة "ليسوا مواطنين"، ليجعل بذلك القطاع كله عملياً مجرد قطعة أرض خارج النظام القانوني.[5] إن الاحتفال بحصار الجيش الإسرائيلي مجمع الشفاء الطبي وتدميره وقتْل "الإرهابيين" فيه، وَهُم النازحون الذين لجأوا إليه والجرحى والطاقم الطبي، يشير إلى المبرر الكامن وراء تحويل المستشفى إلى مساحة استثناء - يُطبَق فيها القانون العرفي وحالة الطوارئ - تسكنها حياة عارية؛ مجردة من الذاتية السياسية والقانونية.[6]

وبتعليق النظام الطبيعي في فضاء المستشفيات، لم يكن لدى الجنود الإسرائيليين أي رادع في ما فعلوه من حصاد الأعضاء، والتعذيب الجسدي والنفسي والجنسي، واختطاف الطاقم الطبي والمرضى، وسرقة الجثث الفلسطينية، والإعدام العلني للأطفال والمرضى الذين بُترت أطرافهم، ونبْش القبور، وحفر المقابر الجماعية.[7] لقد جسّد الكيان الصهيوني وأمعن في تطبيق أساليب الحصار العسكري، وأنشأ مساحات استثناء في المستشفى، وهو ما أدى إلى انتهاك حرمة الموتى الفلسطينيين بأبشع الطرق. وقد تجاوزت الفظائع الصهيونية الوحشية التي ارتُكبت في مستشفيات غزة - التي استهدفتها بصورة خاصة لأنها مؤسسات إنجابية - أكثر المفاهيم تطرفاً عن عوالم الموت الاستعمارية والمساحات الاستثنائية التي تم تصورها سابقاً.

المستشفى – مركز دعم الحياة

بينما توفر القوة المميتة إطاراً يصور الحكم الصهيوني على نحو جزئي، من الضروري أن نستقصي على نحو أوسع كيف يسعى الناس تحت نظام سياسات الموت هذا لمقاومته وإعادة تعريف علاقتهم بالصراع من أجل الحياة والموت. وتحاول الإبادة الجماعية المستمرة الانتهاء من مشروع أطول للإبادة المدنية بتدمير البنية التحتية الداعمة للحياة في غزة، وجعل قطاع غزة غير صالح للعيش، وغير قادر على شفاء جروحه والنهوض من جديد. والمستشفى الغزّي هو موقع للصراع السياسي؛ إذ أعاد إنتاج الحياة في بيئة صممها الكيان الصهيوني لفرض الموت البطيء بسياسات الحصار وتضييق الخناق، وكذلك الموت السريع عبر تدمير البنية المادية والقتل بلا هوادة. وقد واجهت المستشفيات في غزة الموت البطيء والتجزئة المكانية التي فرضها الحصار على مدى 18 عاماً عبر بناء القدرات الطبية التي لم يكن ممكناً لولاها أن تستقبل المرضى المحرومين من الرعاية الصحية. وقد تم بناء ما يقارب ثلث المستشفيات في قطاع غزة في أثناء الحصار في الفترة 2007 - 2023 على الرغم من العقبات الهائلة التي فرضها الاحتلال وندرة التمويل ومواد البناء والمعدات الطبية. وعلى سبيل المثال، افتُتح مستشفى الحياة التخصصي في غزة في سنة 2010 تحت الحصار، وتعاقدت معه وزارة الصحة لتوفير العلاج الكيميائي للمرضى الذين لم يكن العلاج متوفراً لهم إلاّ خارج القطاع.[8]

وعلى مدى ثمانية عقود تقريباً، لم تعرف غزة الراحة جرّاء الحملات العسكرية الصهيونية المتلاحقة التي استهدفتها. وبالتالي، فإن جميع مستشفيات غزة تقريباً مستعدة للاستجابة الطارئة. ومن الأمثلة على ذلك، مستشفى جمعية أصدقاء المريض الذي هُدم وأُحرق في شباط/فبراير 2024، وقد استأنف المستشفى تقديم الخدمات في نيسان/أبريل 2024، وأُعيد بناؤه وافتتاحه في حزيران/يونيو 2024.[9] لكن قوات الاحتلال الإسرائيلي دمرت المستشفى مرة أُخرى في تموز/يوليو 2024، لكن سرعان ما أعلن المستشفى، على الرغم من حالته المدمرة، بدء تقديم خدمات طبية إلى الأطفال بعد يومين من انسحاب قوات الاحتلال.[10] ومع ذلك، فإنه ينبغي عدم الخلط وفهم قدرة المستشفى الغزي على الصمود بأنه لا يُقهر، إنما يلقي ذلك الضوء على السياق التاريخي للمواقع التي يصب الكيان الصهيوني الكثير من رغبته في القتل والإبادة عليها.

لكل مستشفى في غزة، في منطقته المحددة، قصة تحكي نضال أهالي غزة ضد الاستعمار الخانق، وقد جرى إنشاء كل مستشفى وبناؤه وتدميره وإعادة بنائه في إطار عالم الموت الذي صنعه الكيان الصهيوني والمقاومة ضده. وعلى مدى عقود من الزمان، تمّت صيانة المعدات الطبية، التي لم يعد يُسمح باستبدالها بسبب الحصار، في تحدٍ للحظر المفروض على قطع الغيار الطبية، وأعيد بناء غرف العمليات التي تعرضت للقصف على الرغم من القيود المفروضة على مواد البناء.[11] ويعيد المستشفى الغزّي إنتاج الحياة بصورة خلاقة بينما يعيد بناء نفسه وإصلاحها، على الرغم من العنف والموت اللذين ينهشانه، فهو تجسيد للجسد الغزّي، وهذا هو بالتحديد السبب وراء سعي الكيان الصهيوني لتعطيله. وقد تم إعلان المستشفيات أماكن استثناء يعلَق فيها تطبيق القانون لأنها تجسد جوهر مقاومة القوة المميتة عبر شفاء الجروح، وتجديد الحياة وضمان استمرارها.

الالتفاف على عالم الموت المجزأ مكانياً

إن العيش في فلسطين في ظل احتلال استعماري يمارس سياسة الموت يعني أن الخاضعين للاستعمار يعيشون حياة مشتركة تحت نظام رمزي قائم على الموت، وبالتالي، فهم مجبَرون على التأقلم والمناورة داخل المعاني والهياكل التي يفرضها نظام رمزه الموت، حيث السياسة مجال للموت. والمستشفيات، كونها مؤسسات تشكلت بموجب هذا النظام، تتفاعل مع سلطة تنشئ عالماً من الموت فوق أجزاء من الأرض المتقلصة باستمرار عبر إنشاء شبكة تتحايل على التفتت المكاني. قبل سنة 1948، لم يكن في قطاع غزة سوى مستشفيَين، وكلاهما في مدينة غزة. وبحلول سنة 1993، كانت كل المستشفيات، باستثناء مجمع ناصر الطبي، موجودة حصراً في مدينة غزة. وفي أيلول/سبتمبر 2023، كان هناك في القطاع 37 مستشفى، أكثر من نصفها خارج مدينة غزة. وليس المهم فقط الإشارة إلى أنه تم بناء ثلث المستشفيات في القطاع تحت الحصار، بل أيضاً الانتباه إلى توزيع المستشفيات عبر مختلف أنحاء القطاع. فعلى الرغم من التوزيع السكاني المستقر نسبياً عبر مدن وبلدات القطاع[12] في أثناء الحصار، فقد تم بناء 25% من مستشفيات مدينة غزة وإنشاء 39% من المستشفيات الجديدة في بلدات أُخرى، و60% من المستشفيات في شمال غزة ودير البلح. وقد بدأ هذا الاتجاه نحو توزيع المستشفيات جغرافياً فعلياً بعد سنة 1993، سواء على نحو مقصود أو بفضل التكيف التلقائي مع التوغلات والحملات العسكرية المتكررة. وقد صارت مستشفيات غزة عبارة عن شبكة لامركزية تتصدى لهذه التقسيمات الفرعية، وتقاوم مشهد الموت عبر توفير العلاج وسلامة الولادات، وهذه الملاحظة مهمة، لأنها توضح كيف تكيفت البنية التحتية الصحية في غزة في مواجهة التوغلات والحملات العسكرية المتكررة، وتشير إلى الدافع الصهيوني وراء محاصرة المستشفيات، وهو تطويق مراكز الحياة تلك وتمزيق الشبكة التي تحايلت على التفتيت المكاني الإسرائيلي.

ويلجأ الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي منذ فترة طويلة إلى استراتيجيا قطع الطرق المؤدية إلى المستشفيات في أثناء التوغل والاجتياح لإعاقة حصول المصابين على الرعاية الطبية. وردّاً على الغزوات العسكرية المتكررة لمناطق شمال غزة، افتُتح مستشفى بيت حانون سنة 2006 كإجراء طارئ للتغلب على إعاقة سيارات الإسعاف من الوصول إلى مستشفى كمال عدوان، وتم توسيع مستشفى كمال عدوان نفسه من عيادة إلى مستشفى سنة 2002 في أثناء الانتفاضة الثانية، وافتُتح أكبر مستشفى في شمال غزة - المستشفى الإندونيسي - بعد خمسة أعوام جرّاء تأخر أعمال البناء بسبب الحصار، وقد خفف إنشاؤه الأعباء عن مستشفيات شمال غزة، وهو ما سمح لمستشفى كمال عدوان بالإغلاق موقتاً لأعمال الصيانة والتصليحات. وقد دُمرت المستشفيات الثلاثة جزئياً أو كلياً خلال حملة الإبادة الجماعية الأخيرة. ويوضح تاريخ هذه المستشفيات الثلاثة في شمال غزة كيف تطورت البنية التحتية الصحية في غزة وتغلبت على الحصار والهجمات العسكرية.

تشير أمثلة عديدة إلى أن المستشفيات في غزة لم تتطور بصفتها خلايا مستقلة معزولة، إنما لتشكل شبكة من المرافق الصحية. ويهدف إغلاق المستشفيات إلى تحطيم هذه الشبكة، وهو ما يحدث لدى تدمير الطرق بين المستشفيات. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإنه خلال هجوم الإبادة الجماعية الأخير، نفذت القوات الاستعمارية الإسرائيلية 920 هجوماً على السيارات والمركبات الطبية في فلسطين، وهذه استراتيجيا أُخرى لاستكمال تفتيت شبكة الرعاية الصحية. [13] ويقترن هذا بمسيرات الموت في ظل الحصار عندما فرض الكيان الصهيوني على سكان غزة النزوح مراراً وتكراراً. وعن طريق تمزيق البنية التحتية والشبكة الصحية ومحاصرة المستشفيات، يضمن المستعمر تدمير أماكن الشفاء وإخضاع حركة الناس لسيطرته. وفي الوقت الذي أجبر فيه الاستعمار السكان على التحرك والتنقل على غير هدى في مسيرات الموت وسط الحصار، فقد دمر مسارات الإنجاب الطبي. وبالتالي، فإن الكيان الصهيوني يسعى للسيطرة على كل حركة، بحيث تكون الحركة الوحيدة الممكنة هي تلك التي تفضي إلى الموت.

الخلاصة

فشلت الهيئات الدولية في محاسبة الكيان الصهيوني عبر تكرار المعايير والبروتوكولات الدولية التي لا تعترف بالتناقض الجوهري بين المستعمِر والمستعمَر. ولا يمكن لمؤسسات إنجابية، كالمستشفيات، قائمة في ظل نظام سياسي يهدف إلى التطهير العرقي أن تكون محايدة سياسياً، إنما سياسية بطبيعتها عبر محافظتها على حياة أولئك الذين يُعتبرون فائضين عن الحاجة وغير مرغوب فيهم. وبالتالي، فإن تطلعات المنظمات غير الحكومية الدولية إلى دعم خطاب عدم الانحياز والحياد الطبي ستظل قاصرة لأنها تفشل في الاعتراف بأن المؤسسات الصحية والإنجابية موجودة في ظل الأوضاع الاستعمارية والعنيفة نفسها التي تحتاج إلى حمايتها منها. وبذلك، تعمل المنظمات غير الحكومية الدولية على جعل التفكير في العنف الاستعماري وكأنه مجرد قضية قانونية ويمكن فهمه على أنه إمّا مشروع وإمّا غير مشروع مقبولاً أو طبيعياً.

ينبغي على الجهات الفاعلة المحلية والدولية التي تعمل على حماية المساحات الصحية والإنجابية في قطاع غزة أن توجه جهودها وتستند في تضامنها إلى التحليل النقدي للأوضاع التاريخية والسياسية التي جعلت من هذه المؤسسات الهدف الرئيسي للتدمير والإبادة. وتسلط هذه المقالة الضوء على الأوضاع التاريخية التي قوضت هذه المعايير الأخلاقية مراراً وتكراراً، وتدعو إلى تفكيك أسطورة ثنائية العنف المشروع أو غير المشروع الذي يمارسه كيان استعماري ضد شعب مُستعمَر.

 

 

[1] Achille Mbembé, Necropolitics, (Durham: Duke University Press, 2019).

[2] C. Schmitt, Dictatorship, (Oxford, England: Polity Press, 2013).

[3] Frantz Fanon, The Wretched of the Earth, (Penguin, 1961).

[4] Parth Sharma, “‘We Are Fighting Human Animals': Dehumanization of Palestinians”, Palestine Chronicle, 21/5/2024.

[5] أفيعاد فيسولي، "لا يوجد مدنيون غير ضالعين في القتال في غزة"، "مختارات من الصحف العبرية"، العدد 4198، 15/12/2023.

[6] Nadeen Ebrahim, Sana Noor Haq, Khader Al Za'anoun, and Abeer Salman, “Why Israeli Forces Are Raiding Gaza's Al-Shifa Hospital – Again”, CNN, 28/3/2024, retrieved on 3/8/2024.

[7]Gaza Officials Suspect Organ Theft from Some Bodies Found in Mass Graves at Naser Hospital”, AA, 26/4/2024, retrieved in 3/8/2024;

Gaza: Israeli Army Systematically Uses Police Dogs to Brutally Attack Palestinian Civilians, with at Least One Reported Rape”, Euro-Med Human Rights Monitor, 27/6/2024;

Gaza: Shifa Medical Complex Witnesses One of the Largest Massacres in Palestinian History”, Euro-Med Human Rights Monitor, 1/4/2024;

"بالفيديو| 'الدفاع المدني‘ يعقد مؤتمراً صحافياً يؤكدة خلاله على ارتكاب جيش الاحتلال "الإسرائيلي" جرائم ضد الإنسانية وإنشاء مقابر جماعية"، "الرأي"؛

Hostilities in the Gaza Strip and Israel | Flash Update #164”, OCHA, 10/5/2024;

Mass Graves Found at Gaza's Nasser and al-Shifa Hospitals”, Middle East Policy Council, 1/5/2024.

[8]Additional Treatment Option Available to Cancer Patients in Gaza amid Tightening of Access Restrictions”, OCHA, 2/6/2020.

[9] محمد مجد، "مستشفى 'أصدقاء المريض‘ بغزة يحترق بنيران الجيش الإسرائيلي (تقرير إخباري)"، الأناضول، 11/2/2024؛

"افتتاح مستشفى 'أصدقاء المريض‘ شمال قطاع غزة بعد انتهاء أعمال ترميمه وصيانته"، آر تي بالعربية، 26/6/2024.

[10]Humanitarian Situation Update #188 | Gaza Strip”, OCHA, 8/7/2024;

حسني نديم، "غزة.. خروج مستشفى 'أصدقاء المريض‘ عن الخدمة بفعل القصف الإسرائيلي"، الأناضول، 12/7/2024، محدث في 13/7/2024؛

"جيش الاحتلال يدمر مستشفى أصدقاء المريض في غزة بعد ترميمه"، المركز الفلسطيني للإعلام، 12/7/2024؛

منشور مستشفى أصدقاء المريض الخيري – غزة، "فيسبوك"، 13/7/2024.

[11] Institute for Palestine Studies, “The Targeting of Gaza's Healthcare Sector in Israel's Ongoing War,” Gaza Health Sector, 2024.

[12]Estimated Population in the Palestine Mid-Year by Governorate,1997-2026”, PCBS, 26/5/2021.

[13]Surveillance System for Attacks on Health Care (SSA)”, World Health Organization, 2024.

عن المؤلف

ريما زقوط: باحثة فلسطينية عملت في مؤسسة الدراسات الفلسطينية على مشروع توثيق استهداف وتدمير القطاع الصحي في قطاع غزة. حاصلة على درجة الماجستير في الأنثروبولوجيا السياسية من كلية لندن الجامعية.