في نيسان/أبريل 2024، وبعد أكثر من 7 أشهر من هجوم الإبادة الجماعية الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة، اكتشفت فرق الطوارئ الفلسطينية العديد من المقابر الجماعية في مستشفى ناصر في خان يونس ومجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، الأمر الذي أولته وسائل الإعلام اهتماماً كبيراً.[1] وقد أفاد الدفاع المدني في غزة بأن طواقمه عثرت على ما يقرب 400 جثة لنساء ورجال وأطفال وكبار في السن دُفنوا في هذه المقابر. وحملت الجثث علامات لممارسات عنيفة دالة على الإبادة الجماعية؛ فبعض القتلى كانوا عراة وأيديهم مقيدة وراء ظهورهم، وهو ما يشير إلى أنهم كانوا ضحايا إعدامات خارج نطاق القضاء، وتعرضت جثث أُخرى لتشويهات جسيمة، وحملت آثار تعذيب، بينما كانت الأمصال والأنابيب الطبية لا تزال موصولة بجثث أُخرى، وهو ما يشير إلى أن الجيش الإسرائيلي قتل أيضاً الجرحى والمرضى. وكان بين القتلى أيضاً عاملون في مجال الرعاية الصحية لا يزالون في ملابس المستشفى. وتفترض التقارير أن القوات الإسرائيلية دفنت على الأرجح بعض الفلسطينيين أحياء.[2]
بعد اكتشاف أولى تلك المقابر الجماعية في نيسان/أبريل 2024، بقي مسعفو الطوارئ الفلسطينيون يعثرون على مقابر جماعية في جميع أنحاء قطاع غزة، وخصوصاً حول المستشفيات التي حاصرها الجيش الإسرائيلي وهاجمها واقتحمها خلال عمليات عسكرية عنيفة.[3] إذ عُثر على ما يقرب 140 مقبرة جماعية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ويرجَح أنها تحتوي على رفات الآلاف من الضحايا. وفي ظل عدم توفر مستلزمات الفحص الجنائي، يصعب على فرق الطوارئ فحص هذه المقابر وتوثيقها. وعلاوة على ذلك، فحتى تاريخ كتابة هذه المقالة، تم التبليغ عن اختفاء ما يتراوح بين 7000 و10,000 شخص يُخشى أنهم دُفنوا تحت الأنقاض، وذلك بعد أن حول القصف الإسرائيلي مبانيهم السكنية وأحياءهم إلى مقابر جماعية بحكم الأمر الواقع.[4] وفي الوقت نفسه، دمرت الجرافات الإسرائيلية العديد من مقابر غزة، وانتهكت حرمتها، بالإضافة إلى العديد من المقابر الموقتة التي أنشأها الفلسطينيون في جميع أنحاء القطاع منذ بداية الهجوم الإسرائيلي العنيف. كما استخدمت القوات العسكرية الإسرائيلية الجرافات لجرف الجثث وتدنيسها في أثناء تدميرها بعض القبور المميزة وطمرها، وتحويل ما كان قبوراً فردية إلى مقابر جماعية.
وتنكر إسرائيل ارتكاب أي مخالفات، إذ نفى المتحدث العسكري الإسرائيلي، رداً على الاتهامات بارتكاب انتهاكات صارخة كهذه في مجمع الشفاء الطبي ومستشفى ناصر، تورط الجيش في إقامة مقابر جماعية، مدعياً أن القبور "حفرها سكان غزة قبل عدة أشهر".[5] وفي مقابلة أُخرى، كرر المتحدث النفي الإسرائيلي، وأصر على أنه ليس لديهم ما يحققون فيه، وذلك بقوله: "نحن لا ندفن الناس في مقابر جماعية. هذا ليس شيئاً نفعله"،[6] ولم ينطق بكلمة واحدة عن مئات المدنيين القتلى الذين عُثر عليهم في هذه المقابر، وركز بدلاً من ذلك على المقابر نفسها بقوله إن الجيش لا علاقة له بإنشائها.
وتوضح الصفحات التالية أهمية مواقع الدفن الجماعي، وما تكشفه، ولماذا من المهم بالنسبة إلى إسرائيل إخفاؤها وتدميرها وإنكار وجودها. وبعد تناول المعنى القانوني للمقابر الجماعية وتداعياتها، وخصوصاً فيما يتعلق بالإبادة الجماعية المستمرة، فإنه من الأهمية بمكان وضع هذه الممارسات في سياق أوسع للنظام الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي وتاريخه الطويل في انتهاك حرمة الجثث الفلسطينية والتمثيل بها. وتسلط هذه المراجعة الضوء على أساليب الإبادة التي استخدمتها إسرائيل بهدف تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم. حتى في حالة الموت، تعمل إسرائيل على محو رفاتهم وهوياتهم وذكرياتهم، وتحرمهم من الدفن الكريم، وتحرم الأُسر من الحزن على أبنائها وأحبتها، ومن فرصة الحداد.
الأهمية القانونية للمقابر الجماعية
على مر التاريخ، كانت المقابر الجماعية بمثابة مواقع رمزية شاهدة على سجل البشرية الحافل بالمجازر والتطهير العرقي والإبادة الجماعية، وبالتالي، فقد كانت لها قيمة إثباتية كبيرة؛[7] ففي العقود الأخيرة، كشف التنقيب في مواقع دفن كهذه عن رفات أشخاص أُعلن "اختفاؤهم" في أميركا اللاتينية وضحايا الإبادة الجماعية في رواندا وكمبوديا ويوغوسلافيا السابقة. وفي الآونة الأخيرة، تم الكشف عن مقابر جماعية في السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوكرانيا، وكما أشير سابقاً، في غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
من الناحية القانونية، يمكن أن يساعد نبش المقابر الجماعية في معالجة مشكلتين رئيسيتين:[8] أولاً، يمكن أن يساعد حفرها في تحديد ما إذا كانت الرفات التي دُفنت فيها هي لضحايا الاختفاء القسري أم لأشخاص ماتوا نتيجة ممارسات وإجراءات غير قانونية، كالإعدام خارج نطاق القضاء، والتعذيب، وتدنيس الجثث، أو حتى التجويع. وفي هذا السياق، تُعد المقابر الجماعية مسارح للجريمة وبمثابة مستودعات للأدلة على انتهاكات جسيمة ممكنة لحقوق الإنسان.[9]
ثانياً، يطرح نبش المقابر الجماعية تساؤلات بشأن ما إذا كان الدفن جرى وفق متطلبات القانون، إذ يتطلب القانون الإنساني الدولي، وكذلك القانون الدولي العرفي الذي ينطبق على النزاعات المسلحة، انتشال الجثث ودفنها بما يليق بها وفقاً للمعتقدات أو الشرائع الدينية، ويحظر انتهاك كرامة الموتى وتدنيس جثثهم، وإن عدم الامتثال لهذه الالتزامات يُعد جريمة حرب بموجب المادة 8 (xxi) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وتحديداً "انتهاك الكرامة الشخصية، وبصورة خاصة، الإذلال والمعاملة المهينة"، والتي تشمل المعاملة المهينة للموتى. وكثيراً ما تنتهك القوات المسلحة التي تلجأ إلى إنشاء مقابر جماعية هذا البند.
وبعبارة أُخرى، تُستخدم المقابر الجماعية في أكثر الأحيان لطمس أدلة القتل الجماعي، وكثيراً ما تكون مؤشراً على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وخصوصاً في حالات ارتكاب إبادة جماعية.[10]
تعريف المقابر الجماعية
على الرغم من انتشار التعريفات للمقابر الجماعية في مختلف أنحاء العالم، فإن القانون الدولي لا يتضمن تعريفاً لها، لكن يُفهم عموماً أنها مواقع دفن تحتوي على عدد كبير من الجثث، لكن لا يوجد إجماع قانوني على خصائصها المحددة. فعلى سبيل المثال، عددياً، يحدد بعض الباحثين حداً أدنى لا يقل عن 6 جثث مدفونة فيها، ويشير آخرون على نحو غامض إلى "عدد" أو "أعداد كبيرة" من الموتى، وما زال آخرون يعرّفون المقابر الجماعية بأنها تلك التي تحتوي على أكثر من جثة واحدة.[11] ولم تحدد المقررة الخاصة المعنية بالإعدامات خارج نطاق القضاء، في تقريرها لسنة 2020 عن المقابر الجماعية، عتبة عددية محددة لتعريف المقبرة الجماعية. ومع ذلك، فقد أقرت بأهمية العدد واقترحت التمييز بين المواقع الأكبر التي تحتوي على مئات أو آلاف الجثث والمواقع الأصغر، وأكدت أن هذا التمييز بين المقابر الجماعية لا يقلل من أهمية المقابر الأصغر حجماً، فعدد الجثث التي يُعثر عليها في المقابر الجماعية يمكن أن يكون مؤشراً على اعتبارات قانونية وسياسية ولوجستية متعددة، وحتى للمحافظة على الذاكرة الجماعية. فعلى سبيل المثال، ربما تشير المقابر الجماعية الواسعة النطاق إلى كثافة جرائم الدولة وشدتها، أو إلى الاستهداف المنهجي لمجموعة محددة من السكان.[12]
يؤدي كذلك سياق إنشاء المقابر الجماعية دوراً في تعريفها والتعامل معها بموجب القانون الدولي. ويمكن أن تكون المقابر الجماعية بمثابة مواقع دفن أو المثوى الأخير للموتى حين لا يكون الدفن الفردي ممكناً، كما يمكن أن يحدث لدى الاستجابة للكوارث الطبيعية أو مكافحة الأمراض. وفي حالات استثنائية كهذه، حين يستدعي الأمر اتخاذ تدابير عملية فورية، يمكن التعامل مع الجثث باحترام، ووضعها بعناية في القبر وأداء الشعائر الجنائزية. ومع ذلك، وفي معظم الحالات، ترتبط المقابر الجماعية بأعمال عنيفة وإجرامية وتكون بحد ذاتها مواقع لعمليات القتل الجماعي، وربما يكون وجودها أمراً بالغ الأهمية في الكشف عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يمكن حدوثها في تلك المواقع.[13]
ويهدف بروتوكول بورنموث لسنة 2020 بشأن حماية المقابر الجماعية الذي أعده خبراء من مختلف التخصصات، بمن فيهم محققون جنائيون وقضاة ومدّعون عامون وأكاديميون، إلى توفير إرشادات منسجمة لدعم الممارسين الذين يحمون مواقع المقابر الجماعية ويتولون التحقيق فيها. ويعرّف البروتوكول المقابر الجماعية بأنها "موقع أو منطقة محددة تحتوي على عدد كبير (أكثر من واحد) من البقايا البشرية المدفونة أو المطمورة أو المتناثرة (بما في ذلك بقايا هياكل عظمية وأقسام مختلطة أو مجزأة)، وحين تستدعي الأوضاع المحيطة بالوفاة و/أو طريقة التخلص من الجثث التحقيق في مدى انسجامها مع القانون المرعي."[14] ومن ثم، يقصر البروتوكول نطاق المقابر الجماعية على تلك الناشئة من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والنزاعات، مع استبعاد المقابر المستخدمة لدفن الأشخاص الذين ماتوا نتيجة للكوارث الطبيعية. والاستثناء الوحيد في الحالة الأخيرة هو عندما تنفَذ طريقة الدفن بصورة غير قانونية، أو عندما يُقتل عدد من المهاجرين و/أو ضحايا الاختفاء القسري ويُدفنون.[15]
ووفقاً لبروتوكول بورنموث، فإنه يمكن أن يختلف شكل المقابر وطبيعتها بين مواقع أُنشئت لهذا الغرض، كالقبور التي يبنيها الإنسان، والمواقع الطبيعية كالمحيطات والأنهار، ومواقع الدفن العشوائية، كما هو الحال عندما تنتشر الجثث في موقع ما. ويستشهد هؤلاء الخبراء بالجثث التي عُثر عليها مبعثرة في شوارع بوتشا في أوكرانيا على أنها مثال ممكن لمقبرة جماعية نظراً إلى التخلص من الجثث بطريقة غير قانونية، بالإضافة إلى قتلها بما يخالف القانون.[16] وعلى نحو مماثل، وفي حالات كثيرة، يخفي تدمير قرى بأكملها، وفق ما حددته المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، مقابر جماعية عندما يُدفن الناس تحت الأنقاض، وفي أكثر الأحيان داخل منازلهم. في مختلف أنحاء البوسنة والهرسك، دُمرت قرى بأكملها، سواء عبر حرقها أم قصفها بنيران المدفعية أم هدمها.[17]
القيمة الإثباتية
فضلاً عن الجثث التي يُعثر عليها في المقابر الجماعية، فإن هذه المقابر هي مخازن للأدلة. وعلى الرغم من أن القانون الدولي لا يعرّفها بوضوح، فإن الأدلة التي تختزنها يمكن من منظور قانوني أن تساعد في ضمان حق الناجين في معرفة الحقيقة ومحاسبة الجناة. والواقع أن المقابر الجماعية توفر في أكثر الأحيان أرشيفاً للفظائع، ويمكن أن تكشف عمليات نبش المقابر المتأنية عن أدلة على جرائم كالمذابح والإعدامات خارج نطاق القضاء.
وكان للمقابر الجماعية مؤخراً دور حاسم في محاكمات المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة التي دانت راتكو ملاديتش ورادوفان كارادجيتش بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. وفي الواقع، فقد كانت الأدلة الجنائية من المقابر الجماعية، ولا سيما نبش مقبرة توماسيكا في سنة 2013، أساسية في إثبات تورط القوات المسلحة في النقل القسري والقتل المنهجي للبوشناق من أهالي سربرنيتسا المسلمين البوسنيين.[18] وقد كشفت التحقيقات التي أجرتها المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة أنه خلال حملات التطهير العرقي، نقل الجناة أيضاً الجثث من مواقع متعددة واختاروا عمداً مواقع دفن محددة يمكن أن تساعد في إخفاء الجرائم التي ارتكبوها، وشملت مواقع أثرية وأنقاضاً ومكبات قمامة وكهوفاً أو مقابر.[19]
ونظراً إلى قيمتها الإثباتية، فإن أي جهد لإخفاء المقابر الجماعية أو تدميرها يقوّض التحقيقات الجنائية والعمليات القضائية ويغير التاريخ في الوقت نفسه عبر التستر على المخالفات الجسيمة التي جرت في مجتمع ما.
المقابر الجماعية الحالية وانتهاك حرمة الموتى في غزة
خلال الأسبوع الأول من الهجمات الإسرائيلية، وقبل الاجتياح البري لقطاع غزة، ارتكب الجيش الإسرائيلي العديد من المجازر، مستخدماً قنابل كبيرة لاستهداف المنازل والأبراج السكنية والبنية التحتية المدنية بلا تمييز. وعانت المستشفيات أشد معاناة لعلاج العدد الهائل من الجرحى الذين تمكنوا من الوصول إليها، ولم تكن المشارح قادرة على استيعاب تدفق العدد الهائل من الجثث. وفي مواجهة ضرورة العمل على منع انتشار الأمراض، لم يكن أمام الدفاع المدني الفلسطيني خيار آخر سوى دفن الموتى في مقابر جماعية في جميع أنحاء القطاع المكتظ بالسكان.[20]
وعندما غزت القوات الإسرائيلية قطاع غزة في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2023، لم تواصل إسرائيل مجازرها بحق الفلسطينيين وتكثفها فحسب، بل أيضاً استغلت الفرصة لتوسيع ممارساتها العنيفة لتطال الموتى. ومع دخول الدبابات والجرافات غزة، استهدف الجيش الإسرائيلي الموتى من أجل تحقيق هدفين رئيسيَين: أولاً، بينما أعرب المسؤولون السياسيون والعسكريون علناً عن نيتهم ارتكاب إبادة جماعية،[21] أدركت إسرائيل أهمية التستر على الهجمات العشوائية الدامية والمذابح التي ترتكبها.[22] ومن ثم، صارت المقابر الجماعية وإخفاء الجثث أدوات مهمة في ترسانتها لإخفاء جرائمها ولتبريراتها الزائفة. ثانياً، وكجزء أساسي من العنف الاستعماري الاستيطاني المستمر الذي تمارسه منذ عقود، واصلت إسرائيل نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين عبر تعمد الاستهانة بكرامة الموتى وعائلاتهم. وكجزء من هذه العملية، تسعى إسرائيل لإخفاء رفات الفلسطينيين مع إطالة معاناة أُسرهم، ويتجلى هذا في منع الأهالي من دفن موتاهم على نحو كريم، وإنشاء المقابر الجماعية، والتدمير المتعمد للمقابر الموجودة سابقاً، وانتهاك كرامة الجثث، واختطاف جثث الفلسطينيين واحتجازها.
وبعد فترة وجيزة من الاجتياح البري، بدأت إسرائيل انتهاك حرمة جثث الفلسطينيين، وقد نُشرت مقاطع فيديو التُقطت خلال اقتحام إسرائيل مجمع الشفاء الطبي في المرة الأولى، في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، تُظهر جنوداً ينقلون جثثاً فلسطينية من مشرحة موقتة ويكومونها في شاحنة تابعة للجيش الإسرائيلي، وأفاد شهود عيان في ذلك الوقت بأن الجنود الإسرائيليين أخذوا أكثر من 100 جثة فلسطينية.[23] وفي كانون الأول/ديسمبر، وثّقت وسائل الإعلام صور جنود إسرائيليين ينبشون جثث فلسطينيين مدفونين في مقابر موقتة في ساحة مستشفى كمال عدوان.[24] كما قام الجيش بهدم مقابر قديمة وتسويتها بالأرض، بما في ذلك مقبرة التفاح شرقي مدينة غزة، ومقبرة البطش الموقتة التي أُنشئت في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وخلال تلك العمليات، نبشت القوات الإسرائيلية آلاف القبور وأخرجت مئات الجثث المدفونة حديثاً منها، وطمرت القبور الفردية تحت أكوام من التراب. وأفادت عائلات دفنت أحباءها في هذه المقابر أن رفاتهم "اختفت".[25] ونقل الصحافيون الاستقصائيون القلائل الموجودون على الأرض الممارسات المتعمدة والمنهجية للقوات الإسرائيلية المتمثلة في تدمير المقابر ومواقع الدفن وإخراج الجثث منها.[26] ومع مرور الوقت، أعادت إسرائيل مئات الجثث إلى غزة بعد تشويهها، وقد تحلل كثير منها وصار من غير الممكن التعرف عليها. والذريعة وراء جرائم كهذه وفق إسرائيل هي البحث عن رفات الرهائن الذين اختطفتهم "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وبالإضافة إلى هذه الممارسات، فقد استهدف جنود الاحتلال فلسطينيين، وقتلوهم في أثناء فرارهم من منازلهم أو عندما حاولوا العودة إليها عبر "طرق آمنة" حددها لهم الجيش، كما منعوا العائلات من الوصول إلى مناطق معينة للبحث عن جثث أبنائهم وأقاربهم لدفنها. وتُركت جثث الضحايا من دون دفن لتتحلل متناثرة على طول الطرق، تحت رحمة الجنود ليقرروا مصيرها.[27] وتُظهر عدة حوادث موثقة جنوداً إسرائيليين في دبابات وجرافات وهم يعبثون بجثث فلسطينيين قتلوهم بأنفسهم، ويهيلون التراب فوقها لمنع التعرف على أماكن دفنها. وانتشر مقطعا فيديو على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي قبل أن تعرضهما وسائل الإعلام الرئيسية، يصوران جنوداً يستخدمون جرافات عسكرية لجرف جثث الفلسطينيين، وفي أحدهما يمكن سماع جندية إسرائيلية تغني، بينما تقوم جرافة بجرف العديد من الجثث بعنف مع التراب الموجود تحتها: "عربة القمامة قادمة وتحمل القمامة القذرة ... تخلصنا من القمامة."[28] ويصور الفيديو الثاني جرافة تنتشل جثتين وتدفنهما في الرمال على الشاطئ، من دون علامات على وجود جثث أو التعريف عنهما.[29] وعليه، يمكن أن نفترض أن الجنود الإسرائيليين الذين يقودون الجرافات جرفوا جثثاً أُخرى ودفنوها في مختلف أنحاء غزة.
ومع استمرار الهجمات الإسرائيلية المكثفة والعشوائية من دون تمييز على غزة، تحولت أحياء بأكملها إلى أنقاض. وبين ما يقدَر بنحو 7000 إلى 10,000 فلسطيني مفقود، يُعتقد أن العديد منهم مدفونون تحت الأنقاض.[30] ووفقاً لبروتوكول بورنموث، تُعد الجثث المدفونة تحت الأنقاض مدفونة في مقابر جماعية، وتتحلل هذه الجثث تحت بقايا ما كان ذات يوم منازل أصحابها، بينما تواصل إسرائيل قصفها المكثف وتفرض قيوداً على دخول الآلات الأساسية إلى غزة. وفي غضون ذلك، تتحلل جثث آلاف القتلى الفلسطينيين من دون أن تحصل على دفن لائق، بينما تضيع الإثباتات التي تختزنها إلى الأبد.
وعلى الرغم من أن آلاف الأطنان من الأنقاض والحطام تشكل أكبر مقبرة جماعية في غزة، فقد كشفت تقارير أُخرى في الأشهر التالية عن تورط الجيش الإسرائيلي على نحو مباشر في دفن الفلسطينيين في مقابر جماعية تحتوي على مئات الجثث، كما حدث في مستشفى ناصر ومجمع الشفاء. وأظهرت مشاهد التُقطت في هذه المواقع جنوداً إسرائيليين يستخدمون الجرافات لنقل الجثث، وهو ما يشير إلى أن بعض الجثث نُقلت إلى مقابر جماعية، ربما دُفن فيها ضحايا عمليات قتل سابقة. ويبدو أن القوات الإسرائيلية أخرجت الجثث ونقلتها إلى مكان آخر، وأزالت التفاصيل التي تدل على هويتها وتفيد في التعرف عليها قبل إعادة دفنها في مقابر جماعية جديدة. وعادت العائلات التي دفنت أحبتها في قبور موقتة على أرض المستشفى بعد انسحاب القوات الإسرائيلية، لتجد أن القبور نُبشت والجثث اختفت.[31]
إنكار المقابر الجماعية
يذكّر رفض إسرائيل الاعتراف بوجود مقابر جماعية بسوابق تاريخية استُخدمت خلالها مقابر كهذه لإخفاء الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، كما يتضح من الجهود المستمرة لإخفاء المقابر الجماعية التي استُخدمت للتغطية على الجرائم التي ارتُكبت ضد السكان الفلسطينيين الأصليين. فقد شهد العالم أشكالاً مماثلة من الإنكار في كمبوديا ورواندا وعقب مذبحة سربرنيتسا سنة 1995؛ ففي تموز/يوليو من تلك السنة، أقدمت القوات الصربية على قتل أكثر من 8000 رجل وفتى بوسنيين، ورحّلت الآلاف من النساء والأطفال وكبار السن. في البداية، دفنت القوات جميع الجثث في مقابر جماعية، ثم عمدت لاحقاً إلى استخراج العديد من الجثث بالجرافات، وتوزيع الرفات البشرية على مواقع دفن متعددة في مسعى إضافي لإخفاء الأدلة على جرائمها.[32] وفي أثناء المجازر وبعدها، خدع الجناة المجتمع الدولي باستمرار بشأن ما حدث في سربرنيتسا وحولها، وأخفوا الأدلة على جرائمهم بصورة منهجية ولوثوها وأتلفوها.[33]
لذلك، فإنه ليس من المستغرب أن يركز المتحدث الإسرائيلي، تعقيباً على الكشف عن مقابر جماعية في مستشفيَي ناصر والشفاء في نيسان/أبريل 2024، على إنكار دور الجيش في إنشاء المقابر الجماعية، وأن يلزم الصمت بشأن العثور على جثث مئات المدنيين التي دُفنت في أوضاع مروعة. ولتسهيل التستر على ذلك، تستمر إسرائيل أيضاً في فرض حصار محكم على قطاع غزة، ومنع دخول خبراء الطب الشرعي والمحققين، بالإضافة إلى منع جمع الأدلة والمحافظة عليها على نحو سليم. إن هذه الأفعال تشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي وحكم محكمة العدل الدولية.[34]
وإن الإنكار المستمر للمقابر الجماعية وإخفاءها من جانب الدول المتورطة في الفظائع يكشف عن جهد منهجي لإخفاء مسؤوليتها عن الجرائم، ويهدف إلى تعزيز ثقافة الإفلات من العقاب. إن الأدلة التي جُمعت من سربرنيتسا والعثور حديثاً على مقابر جماعية في مستشفيَي ناصر والشفاء وفي مختلف أنحاء غزة، تسلط الضوء على المدى الذي يمكن أن يذهب إليه الجناة لإخفاء جرائمهم، وإن إنكاراً كهذا يساعد في إدامة دورة ممارسات الإبادة الجماعية العنيفة.
التنكيل المستمر بجثث الفلسطينيين
لقد استُخدمت المقابر الجماعية تاريخياً كأداة لإخفاء الجرائم والاختباء وراء واجهة تشير إلى أنه لا يوجد شيء للتحقيق فيه أو المساءلة عنه والمحافظة على تلك الواجهة. ومع ذلك، وفي حالة إسرائيل، فإن المقابر الجماعية والمذابح التي سبقتها وانتهاك حرمة جثث القتلى الفلسطينيين أيضاً، كلها تمثل أدوات استعمارية استيطانية للإزالة بهدف محو الفلسطينيين وتاريخهم من الوجود.
والواقع أن الإبادة الجماعية المستمرة في غزة ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها القوات الإسرائيلية المقابر الجماعية وغيرها من الأساليب للتنكيل بجثث الموتى بينما تشن هجمات عنيفة لا رحمة فيها ضد الفلسطينيين، ولم يكن استخدامها للمقابر الجماعية منفصلاً عن عمليات التهجير القسري الجماعي والقتل خلال النكبة سنة 1948، وما زال يُعثر حتى اليوم على المقابر الجماعية التي تحتوي على رفات الفلسطينيين وغيرهم من العرب الذين ذبحتهم الميليشيات والقوات العسكرية الصهيونية منذ سنة 1948، في أماكن كمواقف السيارات على الشاطئ والمنتجعات السياحية والقرى المدمرة والمقابر القديمة.[35] لذلك، فإنه ليس من المبالغة القول إن أي شخص يمكن أن يسير في أي مكان في إسرائيل عن غير قصد فوق مقبرة جماعية لا يوجد ما يعرّف عن وجودها فيه.
وعلى سبيل المثال، فإنه عقب مذبحة الطنطورة في أيار/مايو 1948، حين قتلت الميليشيات الصهيونية ما لا يقل عن 200 قروي فلسطيني أعزل، شرع الجناة بعد ذلك في تدمير القرية ومحو أي أثر يدل على وجودها، وأوضحت رسالة مؤرخة في 9 حزيران/يونيو 1948، كتبها ضابط إسرائيلي، نية التستر على الجرائم بقوله: "لقد تفقدت أمس المقبرة الجماعية في مقبرة الطنطورة، ووجدت أن كل شيء كما ينبغي" بما يضمن عدم ترك أي أثر للجثث.[36] واستمرت محاولات إخفاء الأدلة على هذه الجرائم طوال عقود. وفي سنة 2000، رفع قدامى المحاربين المتورطين في المذبحة وتدمير القرية دعوى ضد باحث إسرائيلي قدم أدلة على القتل الجماعي، واتهموه بالتشهير، وفي النتيجة، أُزيلت النتائج التي توصل إليها، وسُحبت من مكتبة جامعته.[37] ومع ذلك، ففي سنة 2023، كشفت تحقيقات جنائية وشرعية جديدة وجود أربع مقابر قديمة داخل أراضي القرية تعرضت للهدم، وقادت النتائج أيضاً إلى التعرف على مقبرتين جماعيتين تحتويان على رفات سكان طنطورة الذين أعدمتهم القوات الصهيونية، وعلى موقعين آخرَين يُفترض أن عدداً من الأهالي أُعدموا ودُفنوا فيهما.[38]
وبينما يجب أن يُنظر إلى النكبة على أنها جزء لا يتجزأ من البنية الاستعمارية الاستيطانية، وليست واقعة معزولة، فإنه ليس من المستغرب أن تستمر القوات الصهيونية على مدار السنوات الـ 76 الماضية في قتل الفلسطينيين والتستر على جرائمها بدفنهم في مقابر جماعية. وقد عمدت قوات الأمن الإسرائيلية إلى حرق الجثث وحفر المقابر - وفي بعض الأحيان أجبرت الفلسطينيين على فعل ذلك بأنفسهم، كما حدث خلال مذبحة كفر قاسم سنة 1956 -[39] واستخدمت الجرافات للتمثيل بالجثث. وحتى عندما نفذ وكلاء إسرائيل مذابح، كصبرا وشاتيلا في لبنان سنة 1982، وفّرت إسرائيل الجرافات لحفر الحفر الكبيرة التي أُلقيت فيها مئات الجثث قبل طمرها.[40] وحاول الجيش الإسرائيلي استخدام تكتيكات مماثلة في أثناء هجومه على مخيم جنين للاجئين سنة 2002، عندما قتل فلسطينيين ثم حرم عائلاتهم من دفنهم، وخطط بدلاً من ذلك لدفن عشرات الجثث في مقابر جماعية.[41]
وكما هو الحال مع حملة الإبادة الجماعية العسكرية الجارية في غزة، فإن الاستخدام التاريخي للمقابر الجماعية ليس حدثاً معزولاً؛ فالموتى الفلسطينيون يُستهدفون بطرق متعددة، ويشمل ذلك تدمير المقابر، كما حدث في قرية الطنطورة سنة 1948، والمحاولات الأحدث في مقبرة القسام في حيفا،[42] ومقبرة اليوسفية في القدس سنة 2021.[43] ويتجلى استهداف الجثث الفلسطينية على نحو أوسع عبر إنشاء إسرائيل "مقابر قتلى العدو" في أواخر الستينيات داخل مناطق عسكرية مغلقة وسرية، وهناك أسرت إسرائيل فلسطينيين (وعرباً آخرين) ودفنتهم بعد قتلهم، وتعمدت رفض إعادة جثثهم إلى عائلاتهم. هذه المواقع، التي يرمز إليها الفلسطينيون باسم "مقابر الأرقام"، لا تحتوي على شواهد قبور، إنما على قضبان حديدية تحمل أرقاماً لتبقى الجثث مجهولة الهوية.[44] وتبين لاحقاً أن الجثث دُفنت في خط واحد، لا يفصل بينها سوى خنادق ضيقة انهارت في النهاية لتُطمر القبور الفردية وتتحول إلى مقبرة جماعية.[45] وتشير هذه الممارسات إلى أن الجثث دُفنت بإهمال شديد وبطريقة تدل على تعمد إهانتها، وكان المقصود منها قطع أي صلة للموتى بعائلاتهم المكلومة إلى الأبد.
وبالإضافة إلى كل ذلك، تستمر إسرائيل في ممارسة احتجاز جثث الفلسطينيين في المركز الوطني الإسرائيلي للطب الشرعي (أبو كبير)، وهي بذلك تحتفظ بجثث الفلسطينيين الذين تقتلهم القوات الإسرائيلية في ثلاجات، ولا تعيدها إلى أُسرهم إلاّ وفق شروط صارمة تتعلق عادة بترتيبات الجنازة. وفي أكثر الأحيان، تُعاد جثث الفلسطينيين المجمدة وغير القابلة للتعرف عليها تقريباً من دون أن تُعطى أُسرهم أي فرصة لفحصها قبل الدفن أو إجراء مراسم الدفن التقليدية.[46] وتحرم ممارسات كهذه الأُسر من إقامة الحداد على أحبائها على نحو لائق، وتُفاقم المعاملة اللاإنسانية التي يتعرضون لها.
إن هذه الاستهانة المؤسساتية الهيكلية المتأصلة بالكرامة الفلسطينية ترسخها السياسات التي تستخدم صراحةً الجثث الفلسطينية كأدوات ضغط. واعتباراً من الأول من كانون الثاني/يناير 2017، تبنّت الحكومة الإسرائيلية ما يُسمى بـ "السياسة الموحدة" للتعامل مع جثث الفلسطينيين واستخدامها صراحةً بمثابة "أوراق مساومة"، ولم تكن هذه السياسة سوى خطوة إضافية نحو إضفاء الطابع الرسمي على ممارسة غير مكتوبة متبعة منذ فترة طويلة، وقد حصلت هذه السياسة على موافقة المحكمة العليا الإسرائيلية، وبالتالي، فقد حصل الجيش على تفويض بمعاملة جثث الفلسطينيين على أنها "رهائن"، وسمحت هذه السياسة أيضاً للجيش باتباع ممارسات مهينة تماماً: كجمع جثث الفلسطينيين بالجرافات،[47] وسحبها، وسحلها، وتدنيسها، وانتهاك حرمتها،[48] وإخراجها من القبور؛ وهي أفعال تمارَس بوضوح على نطاق واسع في غزة اليوم.
الكشف عن مظالم مستمرة
على مر التاريخ، كانت المقابر الجماعية أدلة على الوحشية والمعاناة الإنسانية، وكانت جزءاً لا يتجزأ من أعمال العنف التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين منذ سنة 1948، فقد تعمدت إسرائيل استخدام المقابر الجماعية، ولجأت إليها على نحو منهجي كأداة لطمس الأدلة وإتلافها، وهي الأدلة التي يمكن أن تكشف عن أنواع جرائمها ونطاقها. وإن مقابر كهذه، تطمر حرفياً الجثث، وتتستر قانونياً على الجرائم، ومن ثم تمكّن إسرائيل من إنكار عمليات القتل والتلاعب بأعداد القتلى وإخفاء أسباب الوفيات وطمس هويات أولئك الذين قتلتهم. هذه الاستراتيجيات تستخدمها إسرائيل جميعها في الإبادة الجماعية المستمرة خلال هجومها العنيف على غزة.
إن النقطة الحاسمة هي أن هذه الممارسات جزء لا يتجزأ من نظام إسرائيل الاستعماري الاستيطاني، فمنذ إنشاء الدولة، سعت إسرائيل لتهجير السكان الفلسطينيين الأصليين وإحلال آخرين مكانهم، وبالتالي، فإن تجريد الجثث الفلسطينية من كرامتها وإنسانيتها وحرمان عائلات القتلى من ممارسة شعائرها الإنسانية يغذي الممارسات العنصرية وعمليات التجريد من الإنسانية من أجل تكثيف الإقصاء والإزالة،[49] وهذا يتضمن تدنيس الجثث الفلسطينية واحتجازها كرهائن، وحرمانها من الحق في الدفن اللائق، وحرمان الأُسر من حقها في الحداد.
وفي جميع أنحاء فلسطين التاريخية، تُحرم جثث الفلسطينيين من الحق في الحماية، وتتعرض للعنف الاستعماري المستمر. وفي غزة، فإن إنشاء إسرائيل للمقابر الجماعية، وانتهاك كرامة الجثث، وتدمير مواقع الدفن، ومنع فرق التحقيق الجنائي من دخول القطاع، كلها قرارات مدروسة لطمس الأدلة التي يمكن استخدامها لمحاسبة الجناة وكشف تاريخ إسرائيل الطويل من ممارسات المحو والتجريد من الإنسانية المتأصلة في تكتيكاتها الاستعمارية الاستيطانية.
[1] “Mass graves in Gaza show victims' hands were tied, says UN rights office”, UN, 23/4/2024.
[2] "انتشال 392 جثماناً من محيط مجمع ناصر بخان يونس وبعضهم دفنوا أحياء"، "الجزيرة"، 25/4/2024.
[3] “Gaza's mass graves: Is the truth being uncovered?”, Al-Jazeera, 11/5/2024.
[4] “10,000 people feared buried under the rubble in Gaza”, UN, 2/5/2024; “Israel and the occupied territories: Key Facts and Figures from 7 October 2023 to 31 March 2024”, International Committee of the Red Cross, 8/8/2024.
[5] Zeena Saifi, Abeer Salman and Ibrahim Dahman, "Almost 400 bodies have been found in mass grave in Gaza hospital, says Palestinian Civil Defense", CNN, 25/4/2024.
[6] “Israel rebukes US calls for investigation into mass graves in Gaza”, Politico, 26/4/2024.
[7] Agnes Callamard, “Extrajudicial, Summary or Arbitrary Executions: Special Rapporteur of the Human Rights Council on Extrajudicial, Summary or Arbitrary Executions, A/75/384”, UN General Assembly, 12/10/2020 (Hereinafter: Special Rapporteur report).
[8] Melanie Klinkner, Ellie Smith and Jonathan Whittle, “What Is a Mass Grave? Why Protect Mass Graves? How to Protect Mass Graves?”, OpinioJuris, 11/7/2022.
[9] Special Rapporteur report, para. 26.
[10] Special Rapporteur report, para. 52.
[11] Janet Kay and Istvan Koncz, “Archaeological Approaches to Multiple Burials and Mass Graves in Early Medieval Europe”, Medieval Archaeology, vol. 67 (2023), issue 1, p. 119.
[12] Special Rapporteur report, para. 17.
[13] Special Rapporteur report, para. 8.
[14] The Bournemouth Protocol on Mass Grave Protection and Investigation, Bournemouth University, 9 December 2020, p. 4.
[15] Academic Commentary to the Bournemouth Protocol on Mass Graves Protection and Investigation, Bournmouth University, 25 August 2021, p. 5.
[16] Klinkner and others, op. cit.
[17] The ICTY's 1999 investigation, for example, uncovered a series of graves in Kevljani, a village northwest Bosnia, that had been destroyed. Ian Hanson, Mass Graves: The Forensic Investigation of the Deaths, Destruction and Deletion of Communities and their Heritage, The Historic Environment: Policy and Practice 14:3, 359-401 (2023), p. 367.
[18] Melanie Klinkner, Karadžić's Guilty Verdict and Forensic Evidence from Bosnia's Mass Graves, Sci Justic 56(6): 498-504 (2016).
[19] Hanson, op. cit., p. 368.
[20] Words Cannot Describe This: Another Mass Grave in Gaza – PHOTOS, Palestine Chronicle, 15 October 2023.
[21] “Application of the Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide in the Gaza Strip (South Africa v. Israel)”, International Court of Justice, Application Instituting Proceedings, 28/10/2023.
[22] Nicola Perugini and Neve Gordon, “Medical Lawfare: The Nakba and Israel's Attacks on Palestinian Healthcare”, Journal of Palestine Studies, vol. 53 (April 2024), issue 1, pp. 68 – 91.
[23] “War on Gaza: Video emerges of Israeli soldiers seizing Palestinian bodies from al-Shifa Hospital”, Youtube, 21/5/2024.
[24] Abeer Salman and Kareem Khadder, “Doctors accuse Israeli troops of desecrating bodies and shooting civilians at hospital Israel says was Hamas ‘command center'”, CNN, 23/12/2023.
[25] “Israeli army defiles hundreds of graves in the Gaza Strip, steals dead bodies”, Euro-Med Human Rights Monitor, 7/1/2024.
[26] Jeremy Diamond, Muhammad Darwish, Abeer Salman, Benjamin Brown and Gianluca Mezzofiore, “At least 16 cemeteries in Gaza have been desecrated by Israeli forces, satellite imagery and videos reveal”, CNN, 20/1/2024.
[27] “Dead bodies strewn on streets of besieged Gaza City”, Middle East Eye, 6/12/2023.
Jake Horton, Merlyn Thomas & Daniele Palumbo, “Israel-Gaza war: Dead bodies and tanks on road south as people flee”, BBC, 9/11/2023.
[28] “Tractor bulldozing bodies, while a woman singing in Hebrew ‘Rubbish needs to spill out'”, Middle East Monitor, 31/3/2024.
[29] “Israeli soldiers shoot and kill two unarmed Palestinian men in Gaza: Video”, Al Jazeera, 28/3/2024.
“Israel Admits Killing 2 Palestinians and Then Burying Them with a Bulldozer after Shocking Video Surfaces”, CNN, 30/3/2024.
[30] “10,000 people feared…”, UN, op. cit; “Israel and the occupied territories…”, ICRC, op. cit.
[31] Saifi and others, op. cit; Abeer Salman, Ibrahim Dahman and Tim Lister, “Khan Younis: More than 300 bodies found in mass grave at Gaza hospital, says Gaza Civil Defense”, CNN, 23/4/2024.
[32] “Thousands gather to mark Srebrenica massacre and bury victims”, Daily Echo, 11/7/2022.
[33] Monica Hanson Green, “Srebrenica Genocide Denial Report”, Srebrenica Memorial, (May 2020).
[34] Noam Lubell, Jelena Pejic and Claire Simmons, “Guidelines on Investigating Violations of International Humanitarian Law: Law, Policy and Good Practice”, Just Security, 16/9/2019.
“Application of the Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide in the Gaza Strip (South Africa v. Israel): Order of 24 May 2024”, International Court of Justice, 24/5/2024.
[35] Paul Milligan, “Mass Grave Uncovered Containing Dozens of Palestinians Killed in 1948 War That Founded Israel”, Daily Mail Online, 31/5/2013.
“Mass Grave Found in Tel Aviv”, Al-Jazeera, 3/6/2013.
“Palestinian Victims of 1948 War Found in Mass Grave”, AlArabiya News, 20/5/2020.
Adam Raz, “Revealed: Dozens of Egyptian Commandos Are Buried Under an Israeli Tourist Attraction”, HAARETZ, 8/7/2022.
“Human Rights Council discusses human rights in occupied Arab territories, concludes dialogue with Gaza Fact-finding Mission – UNOG press release”, UN: The Question of Palestine, 29/9/2009.
Ofer Aderet, “Testimonies from the Censored Deir Yassin Massacre: ‘They Piled Bodies and Burned Them'”, Haaretz, 16/7/2017.
[36] Adam Raz, There's a Mass Palestinian Grave at a Popular Israeli Beach, Veterans Confess, Haaretz, 17 March 2023.
[37] Ben Kenigsberg, ‘Tantura' Review: Unearthing the Past, The New York Times, 1 December 2022.
[38] “Executions and Mass Graves in Tantura”, Forensic Architecture, 23/5/2023:
[39] Nora Barrows-Friedman, We'll Never Forget October 1956 Massacre, Say Palestinians in Israel, The Electronic Intifada, 29 October 2013.
[40] Interactive Encyclopaedia of the Palestine Question, Sabra and Shatila, 16-18 September 1982: A Massacre by Proxy, 22 November 2023; Leila Shahid, The Sabra and Shatila Massacres: Eye-Witness Reports, Journal of Palestine Studies, 32:1, 36-58 (2002), 44.
Leila Shahid & Linda Butler, “The Sabra and Shatila Massacres: Eye-Witness Reports”, Journal of Palestine Studies, vol. 32, no.1 (Autumn 2002), p. 44.
[41] “Petitions Filed by Adalah and LAW to the Supreme Court of Israel April-May 2002”, Adalah, LAW & PCHR, (2002).
[42] Yoav Haifawi, The long battle to save the largest Palestinian cemetery in Haifa, Mondoweiss, 7 Janurary 2022.
[43] Samah Dweik, “Palestinians vow to defend graves in Jerusalem cemetery”, Al Jazeera, 31/10/2021.
[44] JLAC, We Have Names and we have a Homeland. The National Campaign to Retrieve War Victims and Unravel the Fate of those Missing (2013).
[45] ibid.
[46] Chloé Benoist, 'No humanity in it': Palestinians wait for Israel to release loved ones' bodies, Middle East Eye, 23 March 2018.
[47] Youssi Gurvitz, Video: Israeli bulldozer and tank invade Gaza to take bodies of two Palestinians killed by IDF, Mondoweiss, 23 February 2020.
[48] Anadolu English, Israeli Soldiers Darg the Blood-Covered Body of a Palestinian they Killed in the Occupied West Bank, 3 June 2024.
[49] Nadera Shalhoub-Kevorkian, Necropenology: conquering new bodies, psychics, and territories of death in East Jerusalem, Identities, 27:3, 285-301 (2020).