(الكلمة كما أٌعدت)
الدوحة
أصحاب السمو والمعالي والسعادة،
السيدات والسادة،
نجتمع اليوم في ظل حالة من الرعب والبؤس الإنساني والمتمثل بغزة لمناقشة تأتي في أوانها.
فالنظام الدولي القائم على القواعد والذي كان قائما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية آخذ بالتفكك.
وإن اتفاقيات جنيف، التي تم تبنيها قبل 75 عامًا لحماية المدنيين وغير المقاتلين أثناء النزاعات، تتعرض لتحديات متزايدة وهي مهددة بأن تصبح غير ذات صلة.
إن الافتقار إلى العمل الجاد والملموس للدفاع عن القانون الدولي يضعف أسس نظامنا المتعدد الأطراف.
كما إنه يؤجج الاستياء في الجنوب العالمي، حيث يعتقد الكثيرون أن القيم المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي لا تنطبق بالتساوي، وبالتأكيد ليس عندما يتعلق الأمر بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
***
لا يوجد مكان آخر يتجلى فيه التجاهل الصارخ للقانون الدولي والنظام القائم على القواعد أكثر من غزة.
فقد قتل ما لا يقل عن 252 من موظفي الأونروا خلال 14 شهرا.
كما تضررت أو دمرت ثلثي مبانينا.
وكذلك قتل ما يقرب من 600 نازح أثناء إيوائهم في مبانينا، سعيا للحماية تحت علم الأمم المتحدة.
وتعرضت قوافل المساعدات للقصف رغم تنسيق تحركاتها مع قوات الأمن الإسرائيلية.
وقد تلقينا ادعاءات تفيد بأن قوات الأمن الإسرائيلية والجماعات المسلحة الفلسطينية، بما فيها حماس، استخدمت مباني الأونروا لأغراض عسكرية.
وقد أدنت مراراً وتكراراً هذا الاستخدام المزعوم لمباني الوكالة وأواصل الدعوة إلى المساءلة عن الهجمات على موظفي الأمم المتحدة ومبانيها وعملياتها.
***
وبشكل أوسع نطاقًا في الأرض الفلسطينية المحتلة، يتقلص الحيز العملياتي المتاح للمدافعين عن حقوق الإنسان والقانون الدولي.
فقد أضرمت النيران في مقر رئاسة الأونروا في القدس الشرقية المحتلة.
وتحاول السلطات المحلية طردنا من هذه المباني لبناء مستوطنات.
إن الإخفاق في التصدي لمحاولات ترهيب منظومة الأمم المتحدة وتقويضها يشكل سابقة خطيرة.
ولنتأمل كيف يتم تحدي قرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى وقف إطلاق النار وزيادة المساعدات الإنسانية في غزة بشكل علني.
وكيف يتم تجاهل الأوامر الملزمة لمحكمة العدل الدولية لمنع الإبادة الجماعية في غزة وإنهاء الاحتلال غير القانوني.
***
منذ بداية الحرب في غزة، وصف المسؤولون الإسرائيليون تفكيك الأونروا بأنه هدف.
وقد اعتمد الكنيست مؤخرا قانونين يهدفان إلى منع جميع خدمات الأونروا في الأرض الفلسطينية المحتلة.
ويستند هذا التشريع على الاعتقاد الخاطئ بأن اختفاء الأونروا يعني اختفاء قضية لاجئي فلسطين.
ولن يؤدي تفكيك الأونروا إلى انهاء وضع لاجئي فلسطين، فهذا الوضع موجود بشكل مستقل عن الوكالة، ولكن التفكيك سيضر بشدة بحياتهم ومستقبلهم.
***
كما تعرضت الوكالة لحملة تضليل عالمية شرسة.
فقد استهدفت الضغوط الدبلوماسية المكثفة التي مارستها حكومة إسرائيل والجماعات التابعة لها البرلمانات والحكومات في البلدان المانحة الكبرى.
وبدأت اللوحات الإعلانية التي تتهم الأونروا بالإرهاب بالظهور في نيويورك وجنيف وروما وستوكهولم ومدن أخرى.
وتقوم حكومة إسرائيل بدفع تكاليف هذه اللوحات الإعلانية.
وتعمل حملات إعلانات "جوجل" على إعادة توجيه الباحثين عن معلومات حول الوكالة إلى مواقع اليكترونية مليئة بالأكاذيب.
هذه ليست مجرد "معلومات مضللة".
إنها دعاية حربية تعرض موظفينا في الأرض الفلسطينية المحتلة لخطر مميت.
كما أنها تخلق بيئة متساهلة لمضايقة ممثلي الأونروا في أوروبا والولايات المتحدة.
***
سيكون لتنفيذ تشريع الكنيست لإنهاء خدمات الأونروا في الأرض الفلسطينية المحتلة عواقب وخيمة.
ففي غزة، سيؤدي تفكيك الأونروا إلى انهيار الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة، والتي تعتمد بشكل كبير على البنية التحتية للوكالة.
إن غياب الأونروا يعني غياب التعليم.
يقدر الفلسطينيون التعليم تقديراً كبيرًا، فهو يمثل القيمة والميزة الوحيدة التي لم يحرموا منها حتى الآن.
وبدون إدارة عامة أو دولة متمكنة، فالأونروا وحدها من يستطيع توفير التعليم لأكثر من 660,000 فتاة وصبي في غزة.
فهل نحن على استعداد للسماح بحرمان هؤلاء الأطفال من الحق في التعليم؟
والتضحية بجيل كامل، وزرع بذور التهميش والتطرف؟
ومن المروع أيضا أن يترك الناس الذين يعانون من حرب مدمرة دون رعاية صحية أولية.
فقبل الحرب، كانت الأونروا تعالج 70 إلى 80 بالمائة من احتياجات الرعاية الصحية الأولية في غزة.
ما زلنا نقدم 16,000 استشارة طبية كل يوم.
أما في الضفة الغربية، فمن شأن انهيار الأونروا حرمان ما لا يقل عن 50,000 طفل من التعليم، ونصف مليون لاجئ فلسطيني من الرعاية الصحية الأولية.
حيث تمثل الوكالة ثاني أكبر جهة توظيف بعد السلطة الفلسطينية، وانهيارها من شأنه أن يغذي حالة عدم الاستقرار الحالية.
***
اسمحوا لي أن أقول ما هو واضح وبديهي: الأونروا ليست طرفا في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
فهي وكالة تابعة للأمم المتحدة كلفتها الجمعية العامة بتقديم الخدمات الأساسية للاجئي فلسطين ريثما يتم التوصل إلى حل سياسي.
غير أن الوكالة أصبحت اليوم هدفا سهلا للأطراف المتحاربة التي تعتبر وجودها وأنشطتها تهديدا.
وتتهم إسرائيل الأونروا بأنها مخترقة من قبل حركة حماس.
وفي الوقت نفسه، اتهمت حماس الأونروا مرارا وعلنا بالتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي.
***
لا يمكن للعمل الإنساني أن ينجح إلا عندما يكون محميا بإطار قانوني وسياسي دولي قوي.
بدون هذا، لا يمكن للعاملين في المجال الإنساني، مهما كانت تضحياتهم وشجاعتهم، البقاء وتقديم الخدمات.
فلا غنى عن أدوات الدبلوماسية الإنسانية المتمثلة بالتفاوض، والوساطة، وإنفاذ القانون الدولي والمبادئ الإنسانية، لتمكين العمل الإنساني.
ويجب استكمال الدبلوماسية الإنسانية بجهود للتصدي للروايات الاستقطابية والخطابات اللاإنسانية.
إن الدبلوماسية الإنسانية والمساعدة الإنسانية يعزز كل منهما الآخر، فعندما يتمكن العاملون في المجال الإنساني من العمل بأمان واستقلالية، يمكننا تعزيز الظروف لنجاح الدبلوماسية والعمليات السياسية.
***
لقد رسم المجتمع الدولي مسارًا متفقا عليه على نطاق واسع نحو السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
والمكونات الرئيسية منصوص عليها في قرارات الأمم المتحدة المتعددة وفي ولاية الأونروا:
* يجب وقف الأعمال العدائية في غزة.
* يجب الإفراج عن الرهائن فورا ودون قيد أو شرط.
* يجب تسهيل المساعدات الإنسانية بأمان وفعالية وعلى نطاق واسع.
* يجب وقف النشاط الاستيطاني غير القانوني في جميع أنحاء الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة.
* يجب تسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي سلميا من خلال حل الدولتين؛ و
* يجب على الأونروا مساعدة لاجئي فلسطين إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم.
واليوم، يتم تحدي كل خطوة من خطوات هذا المسار إلى السلام.
إن محاولة إحدى الدول الأعضاء تغيير المعايير الراسخة منذ زمن طويل لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي قوبلت بمقاومة قليلة أو معدومة.
***
إن المخاطر في الأرض الفلسطينية المحتلة مرتفعة للغاية.
فقد تم تدمير غزة وتراجعت التنمية البشرية لمليوني فلسطيني سبعة عقود للوراء.
وهناك مليون طفل يعيشون في أزمة فقد أصبحوا يتامى وتعرضوا للإصابات كما يعانون من سوء التغذية ويحرمون من كافة أشكال التعلم.
وإن العنف في الضفة الغربية شرس وغير مسبوق، مع تمهيد الطريق لمزيد من الضم.
ما هو على المحك ليس فقط مستقبل الفلسطينيين أو الأونروا.
إن الأمر يتعلق بشرعية نظامنا المتعدد الأطراف بأكمله والنظام الدولي القائم على القواعد الذي ظل قائما منذ الحرب العالمية الثانية.
ويجب أن تكون أولويتنا العاجلة والجماعية منع انهيار الاستجابة الإنسانية في غزة، وتثبيت الوضع غير القابل للاستمرار في الأرض الفلسطينية المحتلة.
ولا يمكن القيام بذلك بدون البنية التحتية الشاملة للأونروا، وآلاف الموظفين، وعلاقة الثقة التي استمرت عقودًا مع مجتمعات لاجئي فلسطين.
لذلك أحثكم على الانخراط في دبلوماسية إنسانية مكثفة لمنع تنفيذ تشريع الكنيست لإنهاء عمليات الأونروا في غضون ثمانية أسابيع.
فعندما تفشل الدبلوماسية الهادئة والتعبير العلني عن القلق والإدانة، يتعين علينا النظر في تدابير أخرى للحفاظ على النظام القائم على القواعد.
يجب علينا أيضا حماية دور الوكالة خلال الانتقال من مرحلة وقف إطلاق النار إلى "اليوم التالي".
وسيتطلب ذلك دعما سياسيا وماليا قويا.
ويمكن لمبادرات مثل "التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين" أن تساعد على تحديد مسار سياسي قابل للاستمرار إلى الأمام.
ينبغي أن نتصرف الآن دفاعا عن لاجئي فلسطين والأونروا، لأن القيام بذلك يعني الدفاع عن الأمم المتحدة والنظام الدولي القائم على القواعد.
وهذا يعني الدفاع عن مستقبلنا الجماعي، الذي يواجه اليوم أشد الأخطار.
شكرا لكم.