صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان
أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة،
إن تصويت البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) ضد الأونروا هذا الأسبوع أمر شائن ويشكل سابقة خطيرة.
وهو يمثل أحدث حلقة في حملة مستمرة لتشويه سمعة الأونروا ونزع الشرعية عن دورها في توفير التنمية البشرية والمساعدة للاجئي فلسطين.
وقد دعا المسؤولون الحكوميون الإسرائيليون علناً إلى تفكيك الأونروا. لقد جعلوها هدفاً للحرب في غزة، في تحد لقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، بما في ذلك خطة لاستبدال الأونروا في القدس الشرقية بالمستوطنات.
إن هذه القوانين لن تؤدي إلا إلى تعميق معاناة الفلسطينيين.
وهي لا تستهدف الأونروا فحسب؛ بل هي أيضا ضد الفلسطينيين وتطلعاتهم.
ونحن نشهد محاولة متعمدة لتغيير المعايير الراسخة منذ فترة طويلة لحل سلمي للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
إن الآثار المترتبة على الاستقرار الإقليمي والسلام والأمن الدوليين هائلة.
ولعقود من الزمن، عانى الفلسطينيون في الأرض الفلسطينية المحتلة من الحرمان المنهجي من الحقوق الأساسية، والفصل، والحصار المنهك على غزة، والتوسع الاستيطاني المستشري في الضفة الغربية، ودورات متكررة من النزاع.
على مدار العام الماضي، اكتسبت الجهود لإنهاء إمكانية قيام الدولة الفلسطينية زخمًا رهيبًا.
وبذلك، تراجعت احتمالات حل الدولتين تدريجيًا.
لقد دمر قطاع غزة بالكامل.
وقد أفادت التقارير إلى مقتل أكثر من ثلاثة وأربعين ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال.
ونزح غالبية سكان القطاع ولعدة مرات.
كما حوصر مليونا شخص في جحيم رهيب لأكثر من اثني عشر شهراً.
وتم حصر معظمهم الآن في 10% من قطاع غزة، وفي ظروف معيشية لا تطاق.
وفي الوقت نفسه، حوصر مائة ألف شخص في شمال غزة في حصار كامل، ينتظرون الموت إما بغارة جوية أو جوعاً.
وهناك 660 ألف طفل في مختلف أنحاء غزة أصبحوا خارج المدارس ويعيشون بين الركام والأنقاض.
غالبيتهم يعيشون بمفردهم دون وجود أي فرد من الأسرة على قيد الحياة.
وهؤلاء الأطفال مصابون بصدمات نفسية ومعرضون بشدة للاستغلال، بما في ذلك التجنيد من قبل العصابات الإجرامية والجماعات المسلحة.
وفي الوقت ذاته، يستحوذ النزاع المتصاعد على الضفة الغربية المحتلة.
يشكل عنف المستوطنين والتوغلات العسكرية التي تقوم بها قوات الأمن الإسرائيلية واقعاً يومياً.
ويتم تدمير البنية التحتية العامة بشكل منهجي أثناء العمليات العسكرية، مما يفرض عقوبات جماعية على الفلسطينيين.
كما يقترب الاقتصاد من حافة الانهيار، وتتزايد حالة اليأس.
أما النشاط الاستيطاني غير القانوني فهو مستمر بوتيرة سريعة في تحدٍ لأحكام محكمة العدل الدولية.
إن ما يحدث في غزة والضفة الغربية يبعدنا أكثر فأكثر عن احتمالات السلام، والتعايش، وتقرير المصير.
وبدلاً من ذلك، فإنه يقودنا إلى مسار من شأنه أن يجلب حرباً لا نهاية لها وبؤساً للإسرائيليين والفلسطينيين لأجيال قادمة.
أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة،
على مدى 75 عاماً، كانت الأونروا منارة أمل للاجئي فلسطين.
وفي انتظار حل سياسي عادل ودائم، عملت الأونروا لعقود من الزمن على منح لاجئي فلسطين حياة كريمة تستند على حصولهم على الحقوق الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية.
لقد قمنا بتعليم أجيال من الطلاب، حقق العديد منهم نجاحاً ملحوظاً في المنطقة وحول العالم.
لقد أخبرني عدد لا يحصى من خريجي الوكالة عن الدور المحوري الذي لعبه تعليم الأونروا في حياتهم.
فهذا التعليم يدافع عن حقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، ويعزز التسامح واحترام الهوية الثقافية.
تعلمون تمامًا مدى تقدير الفلسطينيين للتعليم – والذي يمثل القيمة والميزة الوحيدة التي لم يحرموا منها.
ونحن الآن نتحمل مخاطر التسبب في التضحية بجيل كامل من الأطفال في مختلف أنحاء غزة والضفة الغربية.
وعلى سبيل المثال، فإن الفشل في إعادة 600 ألف طفل إلى الأمان النسبي لبيئة التعلم يعني التضحية بجيل كامل وزرع بذور الكراهية والتطرف في المستقبل.
أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة،
لقد تمكنت الأونروا في أوقات الحرب من التحول بسرعة إلى آلة مساعدات إنسانية.
لقد رأينا هذا في غزة على مدى العام الماضي.
لقد تحول معلمونا إلى مديري مراكز إيواء بين عشية وضحاها.
وتحولت عياداتنا إلى غرف طوارئ وسط انهيار شبه كامل للمستشفيات.
ومؤخراً، لعبنا دوراً حاسماً في المرحلة الأولى الناجحة من حملة التطعيم الطارئة ضد مرض شلل الأطفال.
وعلى مدى العام الماضي، كانت الأونروا بمثابة شريان الحياة لسكان غزة.
ورغم هذا، وربما بسببه، فقد دفعنا ثمناً باهظاً.
لقد قُتل ما لا يقل عن 237 من زميلاتنا وزملائنا، غالبيتهم قتلوا مع عائلاتهم.
كما تضرر أو دمر ما يقرب من 200 من مباني ومنشآت الوكالة، مما أسفر عن مقتل مئات النازحين الذين كانوا يسعون للحماية في منشآت الأمم المتحدة.
وقد تعرضت قوافلنا للمساعدات والتي تحمل علامات واضحة للقصف والنهب من قبل أطراف مسلحة.
إن القيود المفروضة على دخول الإمدادات المنقذة للحياة إلى غزة تعني أن شاحنات المساعدات تُهْمَل على الحدود، بينما يتضور الناس جوعاً على بعد بضع كيلومترات.
أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة،
إن أحدث مشاريع القوانين التي أقرها البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) تسعى إلى إنهاء التنسيق مع السلطات الإسرائيلية، مما يعرقل عملياتنا في الأرض الفلسطينية المحتلة.
إن الاستجابة الإنسانية برمتها في غزة، والتي تعتمد على البنية التحتية للأونروا، على المحك.
وإن الفشل في التصدي لمحاولات ترهيب الأمم المتحدة وتقويضها قد أرسى سابقة خطيرة.
وأكبر مثال على ذلك ما يحدث في لبنان والهجمات الدنيئة والمقيتة على قوات اليونيفيل.
لنكن واضحين:
أولا، إن الهجمات على الأونروا هي هجمات ضد النظام الأوسع القائم على القواعد الموروث من الحرب العالمية الثانية، وسوف تعمل على إضعاف نظامنا العالمي المتعدد الأطراف.
ثانيا، إن الهجمات على الأونروا مدفوعة سياسيًا بهدف الغاء "وضع لاجئي فلسطين".
ولكن "وضع لاجئي فلسطين" قائم بشكل مستقل عن الخدمات التي تقدمها الأونروا. وسوف يحتفظ اللاجئون بهذه الصفة إلى أن يتم التوصل إلى حل سياسي.
وثالثا، لا يمكن تقرير مستقبل لاجئي فلسطين خارج الإطار السياسي. وإذا كان من الممكن أن تنهار وكالة تابعة للأمم المتحدة تتمتع بتفويض من الجمعية العامة لأن دولة عضو واحدة في الأمم المتحدة تتحدى النظام الدولي القائم على القواعد، فما الذي سيبقى قائما؟
أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة،
إنني أشعر بالتشجيع إزاء الالتزام الدولي بالحل السياسي الذي تجلى أثناء هذا المؤتمر.
وأود أن أشكر صاحب السمو وزير الخارجية على عقد هذا الاجتماع، وعلى منح الأونروا منبرا جليًّا للمشاركة.
إن حل الدولتين هو الإطار المتفق عليه دوليا.
والأونروا جزء لا يتجزأ من مرحلة انتقال ناجحة ومنصفة.
تكمن الميزة الأكثر بروزًا للوكالة في التعليم والرعاية الصحية الأولية.
وفي غياب دولة مكتملة الأركان، فإن الأونروا وحدها قادرة على تلبية احتياجات التعلم والرعاية الصحية للاجئي فلسطين.
أسمحوا لي بأن أختتم بثلاثة مطالب:
أولاً، أحثكم على استخدام كل الأدوات السياسية والدبلوماسية والقانونية المتاحة لكم لرفض محاولات إسرائيل لتفكيك الأونروا، وتهميش الأمم المتحدة، وتقويض التعددية. وهذا يعني ضرورة إلغاء مشاريع القوانين هذه، أو تعليق تطبيقها.
ثانيًا، أطلب منكم حماية دور الأونروا اليوم وخلال الانتقال الطويل والمؤلم حتمًا بين مرحلة وقف إطلاق النار ومرحلة "اليوم التالي".
ولهذا، سوف نحتاج إلى دعمكم السياسي والمالي.
وأخيرا، ومن خلال منبر هذا "التحالف الدولي"، أحثكم على تحديد مسار سياسي قابل للتطبيق نحو حل الدولتين، والذي من شأنه أن يحل في النهاية محنة لاجئي فلسطين.
وحتى ذلك الحين، أحثكم على ضمان استمرار الأونروا بالإيفاء بالدور الذي لا غنى عنه للاجئي فلسطين.
شكرا لكم.
معلومات عامة:
الأونروا هي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى. قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتأسيس الأونروا في عام 1949 وفوضتها بمهمة تقديم المساعدة الإنسانية والحماية للاجئي فلسطين المسجلين في مناطق عمليات الوكالة إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم.
تعمل الأونروا في الضفة الغربية، والتي تشمل القدس الشرقية، وقطاع غزة، والأردن، ولبنان، وسوريا.
وبعد مرور ما يقارب خمسة وسبعين عاما، لا يزال عشرات الآلاف من لاجئي فلسطين الذين فقدوا منازلهم وسبل عيشهم بسبب ما حصل في عام 1948 نازحين وبحاجة إلى دعم.
تساعد الأونروا لاجئي فلسطين على تحقيق كامل إمكاناتهم في التنمية البشرية، وذلك من خلال الخدمات النوعية التي تقدمها في مجالات التعليم، والرعاية الصحية، والإغاثة والخدمات الاجتماعية، والحماية، والبنى التحتية وتحسين المخيمات، والتمويل الصغير بالإضافة الى المساعدات الطارئة. يتم تمويل الأونروا بالكامل تقريبا من خلال التبرعات الطوعية.